السبت، 2 فبراير 2013

الدفاع في الشريعة والقانون - بقلم تحرير العقل




مفهوم الدفاع أصبح متشابكا مع مفاهيم أخرى، بالإضافة إلى عدم وضوح بعض مصاديقه عند البعض، فما المقصود من الدفاع؟ هل هو الرد بالمثل؟ أم هو خصوص استخدام القوة في دفع عدوان متوجّه لحق يصونه الشارع؟ وما هي شروط هذا العدوان؟ وما طبيعة هذا الحق؟ هل هي مطلق الحقوق؟ أم حقوق مخصوصة؟ إلخ من الأسئلة. ومن جهة أخرى هناك أيضا عدم وضوح لما هو مصداق لعنوان الدفاع، فهل الهجوم على سجن بالسلاح والعتاد لتخليص المساجين فيه يعتبر مصداقا من مصاديق الدفاع؟ هل الهجوم على مركز شرطة يعتبر مصداقا من مصاديق الدفاع؟ إلخ.

تعريف الدفاع والعدوان في الشرع والقانون:

أ- تعريف الدفاع:-

يقصد من الدفاع في الشريعة: (هو عمل اللازم لدفع عدوان متوجه لسلامة الإنسان أو عرضه أو ماله، سواء كان العدوان متوجها للمدافع نفسه أو للاخرين ممن يصون المشرع حقوقهم.) (1)

أما من ناحية الفقه الوضعي فيُعرف بأنه: استخدام القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء غير محق ولا مثار (أي غير مشروع) يهدد بضرر يصيب حقاً يحميه القانون. (2)

اقتصر كثير من الفقهاء على التعرض إلى ثلاثة حقوق فقط في مجال الدفاع وأهملوا التعرض إلى الحقوق الأخرى لورود النص بخصوص هذه الحقوق، وهي حق السلامة الجسدية والعرض والمال، فمما ورد في النص: عن جعفر (الصادق)، عن أبيه (عليهما السلام)، أنه قال: «إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره بالضربة، إن استطعت، فإن اللص محارب لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما تبعك منه من شيء فهو عليّ) (3)، ومورد الرواية هو العرض و المال.

ولكن كلمات الفقهاء ليست في مقام حصر الدفاع على هذه الحقوق، بل يُعلَم من جهات متعددة عمومها لغيرها، وهذا التعميم ممكن أن يستفاد من روايات متعددة تفيد التعميم وعدم الاقتصار على هذه الحقوق، كالوارد في الرواية الصحيحة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قتل دون مظلمته فهو شهيد»، ثم قال: «يا أبا مريم، هل تدري ما دون مظلمته؟ قلت: جعلت فداك: الرجل يقتل دون أهله ودون ماله وأشباه ذلك، فقال: يا أبا مريم، إنّ من الفقه عرفان الحق" (4)، فالرواية تعمِّم أحكام الدفاع لكل مظلمة، والمظلمة مشتقة من الظلم، أي سلب كل ذي حق حقه، كما أن قول أبي مريم إلى الإمام عليه السلام (وأشباه ذلك) وإقرار الإمام له يفيد التعميم لغير تلك المسائل.

اذن يجوز للإنسان أن يدافع عن مطلق حقه مما لا يرضى الشارع بتضييعه بحال، ولو قتل على هذه الحالة فهو شهيد.

وظاهر عبارات بعض الفقهاء أيضا الاقتصار على العدوان الذي يتوجّه للسلامة المادية للفرد، ولا يشمل العدوان الذي يتوجّه للجانب المعنوي للفرد، ولكن هناك بعض الفقهاء يصرح بشمول الدفاع لهذا الجانب:

.يقول أحد الفقهاء -أيضاً-: الاعتداء على كرامته وحرمته المعنوية، بمثل الأعمال والأقوال المؤدية إلى السخرية منه والاستهزاء به وإقلاق راحته وحجز حريته، ونحو ذلك مما لا يترتب عليه أذى مادي ظاهر، بل يكون أذاه معنوياً باطنياً. وإنَّ من موارد العدوان على الحرمات حالة ما لو عمد شخص إلى تسلق سور دار إنسان، أو أحدث ثقباً في جدار داره، أو استخدم الناظور المقرّب، أو وضع أجهزة تنصت أو تصوير، وذلك بهدف مراقبته وكشف أسراره أو الالتذاذ الجنسي بمشاهدة حريمه أو أعماله الجنسية، فإنه يجوز له، وقد يجب عليه، دفعه ومنعه من فعل ذلك، فإن توقف دفعه على الجناية عليه أو إتلاف ماله لم يكن عليه ضمان. (5)، وقد يدعم هذا التعميم بعض الروايات:

عن الإمام الحسين (عليه السلام): موت في عز خير من حياة في ذل. (6)، وعن الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( إنّ اللَّهَ فوّضَ إلى المؤمِن أُمورَهُ كلَّها ولم يفوِّض إليهِ أن يُذِلَّ نفسه )) (7)، فهذه الروايات وغيرها قد يستفاد منها وجوب الدفاع عن كرامة الإنسان وحرمته، بل وإن أدى لهلاك المدافع.

كما أن الخلاف في شمول الدفاع للحقوق المعنوية محل جدل أيضا في الفقه الوضعي، فـ"هناك رأي ذهب إلى أنه لا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي في جرائم الماسّة بالشرف والاعتبار (والتي تعرف بجرائم إهانة الكرامة) لأنه ليس فيها مظهر من مظاهر القوة المادية، وهذا الرأي متأثر بالوضع السائد في فرنسا؛ لكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به، لأن الراجح جواز الدفاع الشرعي ضد هذه الجرائم، مثل تمزيق المكتوب الذي يحوي عبارات القدح أو الذم قبل إذاعتها، أو وضع اليد على فم المعتدي لمنعه من الاسترسـال في عبارات الـقدح أو الذم." (8)

الخلاصة: المقصود من الدفاع هو: كل عمل يتطلبه دفع العدوان والأذى الذي يتوجه لحق من الحقوق المصانة من قبل الشارع، والتي لا يرضى بتضييعها بحال.

ب- تعريف العدوان:-

ويقصد بالعدوان: الاعتداء الذي يتوجه للإنسان في أحد حقوقه أو حقوق غيره ممن صان المشرّع حقوقهم ولا يرضى بتضييعها بحال. "و لا يختلف الحكم بمشروعية المقاومة باختلاف حجم العدوان الذي يحصل للفرد من قليل أو كثير؛ وذلك لإطلاق الأدلّة التي تسوّغ المقاومة تجاه العدوان على الإنسان في دمه أو ماله أو عرضه، كقوله (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالی ليمقت الرجل يدخل عليه في بيته فلا يقاتل" إلا أن يكون العدوان طفيفاً بحيث يستقبح العقلاء أن يعرّض الدافع نفسه أو نفس المدفوع للخطر بإزائه؛ وذلك لعدم شمول الإطلاق لمثله" (9)، بل قد تدل عليه صحيحة أبي مريم المتقدمة بقوله (وأشباه ذلك) الدال على عدم شمول الإطلاق لغير أشباه تلك المظالم في الخطورة والأهمية.

"كما لا يختلف الحال في العدوان أن يكون بالإيجاب كالسرقة والضرب والفتك، أو العدوان على العرض (العدوان الجنسي)، أو يكون العدوان بالسلب، كما لو منع من الطعام والشراب أو الحرية، فله أن يكسر باب السجن ليخرج منه، وإن لم يتمكن يقاوم السجّان لاستخلاص نفسه من السجن إذا أمكنه لو كان السجن عملاً عدوانياً بالنسبة إليه، فإنّ كلّ ذلك من مصاديق العدوان التي تشملها مطلقات الدفاع والمقاومة." (10)

شروط حالة الدفاع في الشريعة والقانون (11):

يتطلب لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر عدة شروط، وهذه الشروط منها ما هو متعلق بفعل الاعتداء الذي يبرّر الدفاع، ومنها ما هو متعلق بالمعتدى عليه دفعاً للتعدي.

أ‌- شروط الاعتداء:-

- وجود اعتداء غير مشروع: فلا يعتبر مثلا من العدوان المجوّز للدفاع الاعتداء الذي يوقعه المشرّع، كعقوبة لأنه اعتداء مشروع، وهذا الشرط محل اتفاق.

- أن يكون الخطر حالاً: يشترط لاعتبار الشخص في حالة دفاع شرعي أن يكون الاعتداء الذي يرمي إلى دفعه حالاً أو وشيك الحلول، ذلك أن حالة الخطر الداهم التي يوجد فيها المعتدى عليه هي التي تبرّر الدفاع، فإذا لم يكن الخطر حالاً بل كان مستقبلا، أو انتهى الاعتداء وتحقّق كل الخطر انتفت صفة الحلول، فلا يكون للدفاع الشرعي محل.

ولا شك بعدم تحقق عنوان الدفاع في حال انتهاء الاعتداء، فأي رد على الاعتداء بعد انتهائه يدخل تحت عناوين أخرى غير عنوان الدفاع كعنوان القصاص، ولكن: عندما يكون الاعتداء مستقبلا فهل المبادرة بالهجوم يعد من مصاديق الدفاع أم لا؟

الجواب: هناك اختلاف بين الفقهاء في المسألة، فمنهم من يرى بأن هذا لا يدخل تحت عنوان الدفاع، وعلى هذا فلو أراد أن ينفِّذ المدافع هجمة استباقية لا بد له من استئذان الحاكم الشرعي (12)، وهناك رأي آخر يرى بأنه إذا أحرز المدافع الاعتداء عليه ولو في المستقبل أو ظن معتد به عند العقلاء ومعتبر شرعيا جاز الدفع أيضا.

يقول أحد الفقهاء: فإن خاف مفاجأته له بالهجوم في وقت لا يقدر على دفعه، وكان ظنَّه معتبراً عرفاً، جاز له الدفاع، وإن كان مجرّد احتمالٍ ففي جواز الدفع إشكال، والأقرب العدم. (13)

ب‌- شروط الدفاع:-

يشترط في فعل الدفاع شرطان، وهما اللزوم والتناسب حيث سنوجزهما على النحو الأتي:-

- اللزوم: إذا كان المدافع يستطيع التخلص من الخطر الذي يهدّد حقه عن طريق فعل لا يعد جريمة، فلا يباح له الإقدام على الفعل الذي تقوم به الجريمة؛ ذلك أن إتيان هذا الفعل ليس لازماً لدرء الخطر، وهذا الشرط محل خلاف بين فقهاء الشريعة أنفسهم، وبينهم وبين فقهاء القانون الوضعي، فهناك من فقهاء الشريعة من يعتبره من الشروط وهناك من يرفضه، وهناك من يفصل في ذلك. (14)

يقول أحد الفقهاء: إذا كان المعتدي إنساناً وأمكن التخلّص من عدوانه بالتحصن في بيت أو بتنبيهه بمثل السعال والكلام إلى كونه مستيقظاً ومستعداً له، أو بالفرار منه وتغييب نفسه عنه، فإنه يجوز فعل ذلك إذا لم يترتب عليه ذلّة وهتك لحرمته أو غيرهما من العناوين الموجبة للحرمة، بل قد يجب ذلك إذا كان فيه سلامة المعتدي وسلامة المعتدى عليه. (15)

- التناسب: إذا نشأ حق الدفاع بأن كان هناك اعتداء حال أو على وشك الحلول يهدّد النفس أو المال وكان استعمال القوة المادية لازماً، أي هو الوسيلة الوحيدة لدرئه، فيجب على المدافع أن يبذل قدراً من القوة لرد الاعتداء يكون متناسباً مع الاعتداء، ولكن لا يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل الاعتداء، ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل الظروف التي كان فيها المدافع وبالنسبة لسنه وقوته وحالته الشخصية، وهذا الشرط ما يصطلح عليها فقهاء الشريعة بـ"التدرج في الدفع"، ولكن هذا الشرط أيضا محل خلاف بين الفقهاء، فهناك من أجاز قتل العادي مطلقا ولو لم يتدرّج معه في الدفع، ويشهد لهذا الرأي بعض الروايات. (16)

هذا تمام الكلام في مفهوم الدفاع الشرعي وشروطه، وعلى هذا نقول: لو هوجم شخص ومن ثم هرب المعتدي، فرآه المعتدى عليه فاعتدى عليه، لا يعتبر هذا الشخص في حالة دفاع لأن ما قام به من عمل ليس لدفع العدوان المتوجّه إليه، بل للانتقام أو إيقاع العقوبة، وهذا وإن كان مكفولا له من الناحية الشرعية لكنه لا يدخل تحت عنوان الدفاع، بل قد يدخل تحت عنوان الرد بالمثل أو الاقتصاص أو الحد، نعم مسألة إقامة الحدود من مختصّات الحاكم الشرعي، فلا يجوز إيقاع العقوبة كحد من دون إذنه.


تحرير العقل
@mindliberation7


المصادر:

(1) التعريف مستفاد من مجموع كلام الفقهاء، راجع الشيخ محمد مهدي الآصفي، الدفاع الشرعي الشخصي تجاه العدوان على النفوس والأعراض والأموال، مجلة فقه أهل البيت (ع)، العدد 56

(2) تجاوز حدود الدفاع الشرعي , عــدنــان بن عبــدالله الـبروانـي، بحث منشور على الموقع:
http://tinyurl.com/ajca8uz

(3) وسائل الشيعة ج15 ص119 باب46 من أبواب الجهاد ، ح2

(4) وسائل الشيعة ج15 ص121 باب46 من أبواب جهاد العدو، ح9

(5) فقه الشريعة، باب الدفاع عن النفس ومتعلقاتها، المسألة 1200

(6) بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٢ ح٤

(7) الكافي ج٥ ص٦٣ ح٣

(8) تجاوز حدود الدفاع الشرعي, عــدنــان بن عبــدالله البرواني، مصدر سابق.

(9) الدفاع الشرعي الشخصي تجاه العدوان على النفوس والأعراض والأموال، الشيخ محمد مهدي الآصفي، مجلة فقه أهل البيت (ع)، العدد 56، ص35 10 م.ن، ص36

(11) راجع شروط الدفاع في القانون الوضعي بحث في تجاوز الدفاع الشرعي، عدنان بن عبد الله البرواني، وراجع شروط الدفاع في الشريعة الإسلامية مقارنة مع القانون الوضعي كتاب الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامي ، د. داود العطار

(12) الدفاع الشرعي الشخصي تجاه العدوان على النفوس والأعراض والأموال، الشيخ محمد مهدي الآصفي، مصدر سابق، ص36

(13) فقه الشريعة، باب الدفاع عن النفس ومتعلقاتها، المسألة 1207

(14) راجع الدفاع الشرعي الشخصي تجاه العدوان على النفوس والأعراض والأموال، الشيخ محمد مهدي الآصفي، مصدر سابق، ص39

(15) فقه الشريعة، باب الدفاع عن النفس ومتعلقاتها، مسألة 1203

(16) الدفاع الشرعي الشخصي تجاه العدوان على النفوس والأعراض والأموال، الشيخ محمد مهدي الآصفي، مصدر سابق، ص37، وراجع ما ذكره الشيخ النجفي في الجواهر باب الدفاع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق