الثلاثاء، 29 يناير 2013

قاسم الثورة - بقلم ليث البحرين




دمعت العين كثيراً لجراحات شعب البحرين، دمعت حباً وألماً لكل هذه الآلام التي لا حصر لها، بكينا حزناً لأشلاء علي مشيمع وهي تعانق جسد فاضل المتروك الممزّق بالرصاص، فُجِعنا بمنظر جسد الشهيد الرائع علي مؤمن وقد تم إخصاءه بالشارع العام وتُرِك نازفاً لدمه حتى استشهد، بكينا دماً لرأسَي عيسى عبد الحسن وأحمد فرحان في مشهد لم نتخيله أن يحدث لشعبنا المسالم.

وتعمقت الجراحات وتعمقنا معها بآهاتنا ودموعنا، فمن مساجدنا المهدمة لشعائرنا التي منعت لشهورٍ طوال وما زالت محاربة، لجرح العلماء والذين منهم من اغتُصِب بداخل سجون آل خليفة وصولاً لتعذيب النساء والتحرش الجنسي بهن، بل واغتصاب بعضهن في أبشع جرائم النظام على الإطلاق.

وللأجنة والرضعان نصيبٌ من هذا الشجن، فمنهم من قضى في رحم أمه، ومنهم من قضى بُعيد ولادته متأثراً بالغازات السامة التي جلبها النظام مع مرتزقته ليبيد بهم شعب البحرين، ومنهم من مات بسبب حالات الرعب التي عاشتها عوائل الشعب تحت طائل اقتحامات المنازل وترويع الآمنين.

وكأن كربلاء قد تكرّر صداها مجدداً ومجدداً بالبحرين، فما لبثت ترانيمها إلا عزفاً على ناي الشعب الصابر المظلوم، فقدّمنا من شبابنا قرة العين، بعلي بداح مكسّر الأضلاع، وعلي الشيخ دمعة العيد الحزينة، وسيد هاشم عريس السنتين، وحسام وعلي عباس وسيد أحمد وصولاً ليوسف موالي الذي تم إلقاء جثمانه الدامي على شاطيء البحر.

وكان كما في كربلاء الحسين، شهيدنا القاسم الذي جمع براءة الطفولة بعنفوان الشباب، فبعد أن استشهد جميع أنصار الحسين وكثـُرت جراحاته وقع على غوغاء كربلاء يعالج آلامه لوحده ولا من معينٍ يخفف عنه مرارة العطش وشدة الألم، حينها سمع عبد الله بن الحسن أنين عمه الحسين فخرج من خيمته راكضاً باتجاه إمامه ملقياً بنفسه عليه، فداه بروحه وجسده حتى قطع حرملة يده وهو يقي بها عن رأس الحسين، فكان عبد الله بن الحسن فارساً بعمر الصبا لم يتجاوز الحادية عشر من عمره بأبعد تقدير، وهو آخر من استشهد بين يدي الحسين، وكان يرتجز ويقول في لحظات استشهاده:

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة
ضرغام آجام وليث قسورة
على الأعادي مثل ريحٍ صرصرة

وكان قاسم حبيب على خُطى عبد الله والقاسم ابني الإمام الحسن، فتىً برعماً ما بلغ الحلم ولم يخط شاربه بعد، ورغم ذلك ما توانى للحظة واحدة عن تقديم روحه من أجل وطنه، فقاسم حبيب العليل بمرض تنفسي استشهد بعد أن قاسى الاختناقات المتعددة في منزله الكائن في كرباباد الصمود طيلة ما يقارب السنة والنصف. رحل قاسم البحرين جميلاً في ابتسامته، وفياً لوالديه، تاركاً فراغاً عظيماً في قلب أمه التي فجعتنا وهي تصرخ من أعماق قلبها (ولدي قاسم.. على الدنيا من بعدك العفا).

قاسم البحرين، ارحل يا أيها النقي، فلمثلك من الأنقياء الخلود، ولمثلنا ممن تلوث بالكِبر والرياء والفناء، ولمثلك أيها الحبيب تزف حور العين وينبلج الضياء، ارحل فما أراك إلا طيراً صداحاً بأجمل معزوفات العشق الإلهي، حيث لا نصب ولا لغو ولا حسد إلا قيلاً سلاماً سلاماً، ارحل حيث تلقى بضياء روحك البريئة جمال النبي أحمد والشهداء والصدّيقين من حوله.

أبكيتنا يا حبيبنا الصغير ونحن نراك على المغتسل كالطير المذبوح، دماؤك كانت تنزف بغزارة الحب الطاهر الذي تغذّيت به من لدن والديك لتراب هذا الوطن، أفجعتنا ونحن نراك كبيراً في عمر الصبا لم يصطلب عودك بعد، ولم ترَ من الدنيا إلا عذابات المرض وعذابات الاختناقات وعذابات التسمم فعذابات الشهادة، لتحظى بنعيم الجنان حيث ما عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على بالِ بشر.

قاسماهُ.. يا صغيري، عد بأسرار الحياة من جراح التضحيات، عد لنا بكف كل شاب مقاوم يحمل بيده عنفوان لهب كرامتنا الحارق لأعداء الله ورسوله والمؤمنين، عد لنا بكل شاب وشابة ما فتئوا يناضلون بساحات المقاومة بعقيدة ثابتة وإيمان راسخ بالنصر المبين، عد لنا بكل والد ووالدة يقدّمون أبناءهم أسرى وجرحى وشهداء ومشردين من أجل رفع كلمة الحق والذود عن المظلومين، عد لنا يا قاسم البحرين مُعلماً للحرية وقائداً ميدانياً لا يخاف الموت لكي يصنع لنا الحياة، ولا تنسى أن تمر بوالدتك الحنون وتمسح عنها دمعتين.. دمعة الفراق ودمعة النصر العظيم ولو بعد حين.


ليث البحرين

في رثاء الطفل الشهيد قاسم حبيب

٢٩-١-٢٠١٣

@Bahrani_Lion

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق