الجمعة، 15 مارس 2013

آه لصبرك أم فرحان بقلم بحرينبة الهوية

 

حُفِرت الثورة بأعماقنا, كل يوم وكل ساعة وكل حدث سيخلد بذاكرة عقولنا المليئة بذكريات حفرت الحزن بقلوبنا عميقاً حتى ماتت الروح.

وأكثر المشاهد المؤلمة التي من المستحيل أن ننساها هي مصارع شهدائنا, مشاهد أجبرتُ نفسي على العيش معها لأنني إحدى أسبابها, فأنا جزء من هذا الشعب الذي قُتل الشهيد لأجله وهو يطالب بحقوقه, شهداؤنا قُتِلوا لأنهم طالبوا بإسقاط الطاغية لأحظى أنا وأبنائي وأنتم شعبي بحياة أفضل, فأخذت عهداً على نفسي أن أعيش مع حكاياتهم وتضحياتهم، حتى باتوا أكثر ما يربطني بهذه الثورة، فشهداؤنا هم الثورة، والثورة هم شهدائنا، ولن أنساهم، بل سائرة على خطاهم، وروحي ارتبطت بأرواحهم، وقلمي سيخط تضحياتهم ما حييت, الثأر لهم بإسقاط الطاغية هو ثورتي، عندها سأفي بعهودٍ قطعتها على نفسي لشهدائنا وذويهم...

أمهات وآباء الشهداء، أنتم العظماء، وكم هي عظيمة تضحياتكم, ضحّيتم بفلذات أكبادكم، وعلى استعداد لتقديم المزيد، ولكنهم مضوا شهداءَ لأنكم الآباء والأمهات ولو اختلفت الأحضان لمّا نالوا شرف الشهادة, زرعتم البذور الحميدة حتى أينعت وتفتحت بشهادتها لتنثر عبير التربية الصالحة على المجتمع ولتكونوا القدوة، لطالما فكرت كيف لي أن أزرع بذور الصلاح بأبنائي؟!! ووفّقني الله بزيارةٍ لأم الشهيد أحمد فرحان لأتعلم منها كيف لي أن أزرع هذه البذور...

حتماً تراءت لكم الآن صورة الشهيد يحمله عبد المنعم ورأسه مفضوخ, فهذه الصورة خُزِّنت بذاكرتنا، فحفرت الألم عميقاً بالقلب حتى قُتِلت جزء من الروح لأجلك يا أحمد.

شهيدنا فرحان امتلك مئات الصور التي لم نشاهدها، وتنّوعت الصور بتنوّع صفاته الحميدة، وتجمّلت لأخلاقه العالية، فكوَّنَت له رصيداً عالياً جداً من المحبة في قلوب من عاشوا معه, صورٌ غاية في الروعة جعلته يستحق مقام صورته الأخيرة...

استقبلتني أم الشهيد... احتضنتها بقوة ألمي لبشاعة مصرع شهيدها وشهيدنا وشهيد الوطن... دُهِشت لكل تلك القوة... حاولت أن تلتقي عيني بعينيها، وكانت عيناي تحاولان الهروب من عينيها الحزينتين خوفاً من انهيار دموعي كأنهار من فيضان ألم بقلبي لرأس فرحان...

آه لصبرك أم أحمد... قضاء ساعتين معكِ تجعل الإنسان يستمد من روحكِ صبراً وثباتاً يكفيان مدى العمر...

كانت كطير جريح ضائع يحلق عالياً, وكلما ازداد نزيف جرحه حط على شجرة ليضمد جرحه ويهدأ نفسه بحنين قديم تأتي به الرياح لذكري من ذكريات ابنها الراحل.

(أحمد ما فيه مثله)... كلمات ابتدأت بها أم الشهيد حديثها وأكملت... (يحبني ويقدرني ويخاف من الهوا الطاير عليي... إذا أمرض ما يرضى يعالجني إلا في مستشفى الخاص, حنون وكريم على عمري... كان إذا يرجع من البحر يوصيني أوزع من الربيان على الجيران ويقول لي: أمي لا تخلين الجيران، ودي ليهم، مو بس لينه، وعطي بيت أبوي العود بعد... حتى إذا واحد من إخوانه يطلب مني أسوي له شي كان يقول ليهم: عيب تآمر على أمك، قوم بروحك واخدم روحك... يقبل بأبسط الأشياء، ويأكل الموجود، ما يشيرط, كنت أقول له على طول: يا ولدي متى بتعرس؟ يقول: أماه آل خليفة مو مخلينه نقدر نعرّس، وبت الناس مسؤولية...

كانت أم الشهيد تروي قصص الشهيد وكأنها تروي حسرات ترسّخت بقلبها ولن تمحى... ساعد الله قلبك أماه... توقفت أم الشهيد عند جرحها الغائر وقالت:

(للحين مادري شلون قتلوه... قالوا ليي إن الجنود حوطوه وكان يهتف: يا علي يا حسين يا علي يا حسين... وصمتت أم الشهيد، ولن يصمت جرحها يوماً ولن تنساه... أمسكتُ يدها التي طالما أمسكت يد شهيدنا...

أماه... ونحن لن ننساه... فكيف لنا أن ننسى من ضحى بنفسه لنا... أيعقل أن ننسى رأسه المفضوخ وشبابه المهدور لأجلنا؟!!

بل سنخلّده بالعقول والقلوب... فهو بطل بقصة أوال، والتي سنرويها للأجيال... رأسه هو الثورة...


بحرينية الهوية

@umhussain1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق