السبت، 16 مارس 2013

أمريكا تفصِّل .. والوفاق تلبس - بقلم الحر الموسوي

إن سياسة حاضر سيدي (يس سير) التي انتهجتها الجمعيات مع السفارة الأمريكية والبريطانية في البحرين هي التي أوصلتها إلى الجلوس المذل اليوم على طاولة الحوار في قصر العرين.

إن مشروع الجمعيات هو مشروع أمريكي بريطاني, وسعودي خليفي, تحصل بموجبه الجمعيات على مجموعة من الكراسي وبعض الامتيازات وكمشروع بديل عن إسقاط النظام الذي يطالب به شباب الثورة وائتلاف 14 فبراير, ويطالب به شعب البحرين.

إن مسيرة الجمعيات بدأت في 14 فبراير في القصر يباركون للطاغية ذكرى الميثاق, بينما كان الشباب في الشارع يعلن ثورة الغضب ضد آل خليفة.. وتنتهي اليوم في قصر العرين والشباب لا زال مرابطا في الساحات يهتف بإسقاط النظام ورحيل آل خليفة، فمن القصر وإلى القصر بعد عامين من الثورة تعكس بوضوح موقف الجمعيات من الثورة ودورها في مشروع السفير الأمريكي وفلتمن وبوسنر الذين كانوا يهندسون ويفصِّلون والجمعيات وعلى راسها الوفاق تلبس ما يفصِّلونه لها.

أكثر من عامين والجمعيات تتقمَّص دور الثورة وتتكلم باسمها وباسم الشعب, ولكن في الواقع الثورة وميادينها في مكان والجمعيات وميادينها في مكان آخر، وفي كل مرحلة حسّاسة تجد الشباب والثورة في ميادين المواجهة وساحات الجهاد, والجمعيات في ساحات القصور وقاعاتها الفارهة.

وفي رحلة الجمعيات من قصر الصافرية إلى قصر العرين كانت هناك محطات أخرى فارهة على مستوى 5 نجوم بين سفارات وفنادق وسفرات هنا وهناك، وحتى الحراك كان بمستوى 5 نجوم وربما أكثر من ذلك، ولم ينقصه سوى السجادة الحمراء. لقد حوّلوا الثورة إلى حفلة أو كرنفال 5 نجوم.

إن الثورة لا يمكن أن تكون ساحاتها قصور آل خليفة الفارهة ولا السفارات الأجنبية، ولا يمكن أن تكون بالكرنفالات المرخصة. الثورة لا يمكن أن تكون بترخيص من آل خليفة وبموافقتهم وتحت سيطرتهم ونفوذهم, لا يمكن أن تكون ثورة تفصَّل مطالبها في القصور, وتُقرَّ في السفارات, وتُبارَك في الرياض.

إن الشيء الذي لا تريد الجمعيات أن تدركه عن الأمريكان, إنهم لا يفصِّلون للشعوب إلا أكفانا, ولا يصنعون إلا توابيت ونعوش, وإنما تتصوَّر أن الامريكان سيقدِّمون لهم الديمقراطية والحرية على طبقٍ من ذهب, ربما كما في العراق هو أشبه ما يكون الركض خلف سراب.

لو كان للأمريكان والبريطانيين النية في إحداث تغيير جذري في البحرين لكان ذلك في التسعينات، ولكنهم فضّلوا إجراء تعديل شكلي لا يلامس جوهر الحكم لا من قريب ولا من بعيد في تشكيل برلمان صوري يحفظ لآل خليفة كامل صلاحياتهم واستئثارهم بالثروة والسلطة, أو كان ذلك في السبعينات وذلك بإعطاء البحارنة استقلالا كاملا وحقيقيا.

في السبعينات من القرن الماضي تمّ خداع البحارنة باستقلال منقوص ووهمي, لأن آل خليفة استعمار بالوكالة, بل هم دراع الاستعمار ونواطيره على النفط وكانوا بديلا للاستعمار المباشر, واكتفوا بوضع رجل واحد يدير أمن البلد وهو المجرم (إيان هندرسون).

أما اليوم فان سفيري بريطانيا وأمريكا هم المسؤولين عن أمن البحرين واستقرارها لضمان مصالحهما, وبعد اهتزاز الوضع الأمني جلبو جون يتس وجون تيموني ليقوما بدور إيان هندرسون في قمع حركة الشعب بحجة أشبه ما تكون نكتة وهي إصلاح جهاز الأمن الذي ازداد خرابا بعد مجيئهم, وزادت وتيرة عنف السلطة واستهتارها بالمنظمات واللجان الأممية, كما ازداد عدد سقوط الشهداء.

إن امريكا اليوم وفي كل يوم تقدِّم لنا الموت والاختناق على طبق من ذهب, وتقدِّم لنا الرصاص الحي ورصاص الشوزن بديلا عن الرصاص المطاطي الذي بدأ بالاختفاء تدريجيا بعد مجيء (الجونين) الأمريكي والبريطاني, وكان إصلاح جهاز الأمن يعني استبدال رصاص المطاطي برصاص الشوزن, وإنزال الجيش بلباس الشرطة في الشوارع.

لم نرَ ولم نسمع أن أمريكا دخلت بلدا وانتعش ديمقراطيا واقتصاديا، بل رأينا أشلاء أوطان تأنُّ من الخراب كأفغانستان والعراق وسوريا اليوم والسودان وغيرها.. تركتها أوطانا جريحة تنزف حتى الموت أو التقسيم.

أميركا لا تقدِّم الديمقراطية مجانا ولا على طبق من ذهب أو حديد, إنما قدّمت وتقدّم أكفانا بالمجان وموتا بالمجان وحروبا بالمجان وفِتَنا بالمجان.. إنها تقدّم أرواحنا فقط على طبق من ذهب, وتقدّم إذلالنا وسجننا وقتلنا على طبق من ذهب.

لم تتحوّل أمريكا إلى ملاك حارس ومنقذ إلا في مباني جمعيات الذل والاستسلام, وعند سياسي 5 ستار الذين أدمنوا ما تلقي لهم السلطة من فتات الوجاهة والسلطة التي جعلتهم يعيشون في حالة خدر مستعصية أفقدتهم الشعور والإحساس, ولا ترى إلا أعينا (مفنجلة) تتطلع إلى أماكنها فوق الكراسي.

اليوم تُتَداول الأنباء عن لقاءات سرية بين بعض الجمعيات ومتعب, وكأنهم لم يكتفوا أنهم مرّغوا أنوفهم في السفارة الأمريكية ولعقوا قذارة السياسة البريطانية, فأرادوا المزيد من القذارة, بل على حمام كامل من القذارة الوهابية السعودية.. إن السياسي مستعد أن يضع يده بيد الشيطان نفسه من أجل الحصول على بعض المراكز والكراسي.

إن الذين أكلوا الغوزي في السبعينات وباعونا بثمن بخس كما باع يوسف إخوته بثمن بخس دراهم معدودة.. ومن أكل الغوزي بالأمس واليوم في قصور آل خليفة وقصور آل سعود سيبيعونا بدراهم معدودة وكراس وأراضٍ و... إن من يبيع أهله بالكرسي أو الدينار مستعد أن يبيعهم بالمجان أو رضا للأمريكان, وهذا اللون من السياسيين يقدِّموا التنازل تلو التنازل حتى يقبلوا بفتات الفتات الذي يقدِّم لهم.. إذا كان أولاد الأنبياء يبيعون إخوتهم, فما الذي يمنع السياسيين من بيع إخوتهم ولحمهم ودمهم وهم ليسوا أبناء أنبياء, وليسوا قدِّيسين أو معصومين؟

في 2002 وقف الأستاذ غصّة في عملية البيع وأفشل المشروع الأمريكي ومن يقف معه في إنجاح البرلمان المخصي, وكان السفير الأمريكي يقوم بدور القوادة على مشروع البرلمان, وكان يروِّج ويحرِّض بعض الأطراف الشيعية لضمان نجاح المشروع الأمريكي ((إذا لم تدخلوا البرلمان سيسيطر عليه السلفيون وأصحاب اللحى)) وهي الحجة نفسها في الترويج لدخول البرلمان 2010.

في انتخابات 2006 كانت هناك غصة أخرى، ولكن لم يستطع سياسيوا المشروع الأمريكي انتظار 4 سنوات أخرى, فداسوا على تقرير البندر الذي كشف عن مؤامرة كبيرة على بني جلدتهم ولحمهم ودمهم كما يقولون, وشاركوا في البرلمان بضمان أمريكي في الحصول على 18 كرسي.. كان 18 كرسيا إغراء كبيرا سالت له عقول وأماتت له ضمائر.

وبعد 4 سنوات من الفشل في البرلمان عاد الوضع إلى 2002 وظهور غصّة المقاطعة وشبحها الذي حرمهم من 4 سنوات, فباعوا لحمهم من جديد, وتم اعتقال رموز المقاطعة لضمان نجاح الانتخابات بإخلاء الساحة للمشاركين، وشاركوا بالبرلمان ولحمهم ودمهم في السجن.

كنت أتمنى أنهم اكتفوا بذلك، بل أخذوا يتاجرون بلحمهم ودمهم وبالسجناء حين قالوا: إن النظام اعتقلهم لإفشال الانتخابات بدل رفضهم للمشاركة ولحمهم ودمهم كما يدّعون في السجن، فمن باع أهله في 2006, وباع أهله مرة ثانية في 2010 سيبيع لحمه في هذه الثورة، إذا لم يكن قد باع حقا، فبعد كل ما جرى ولا يزال يجري لا زالوا متمسكين بالمشروع الأمريكي, ولن يتركوه حتى آخر قطعة من لحمهم ودمهم وأعراضهم.

لم يتراجعوا خطوة إلى الوراء، لا بعد أول شهيد ولا بعد آخر شهيد، بل فضّلوا البقاء في القصر ودم حسين الجزيري ينزف, وفضّلوا إكمال الحوار وجثة محمود الجزيري في الثلاجة.

إذا استمر هؤلاء المتنفعين في صدارة المشهد السياسي, واستمر الناس في التطبيل إليهم, فعلينا أن نكون مستعدين للبس أكفان الذلة والمهانة التي فصّلها الأمريكان للجمعيات ولن نعي مرارتها إلا إذا عدنا إلى داخل عنق الزجاجة.. سنتمنى حينها لو كانت أكفانا للشهادة.

هكذا تفصِّل أمريكا الجمعيات (يس سير) والجمعيات تحاول أن تلبس الشعب عنوة مشاريع أمريكا في البحرين لاستمرار النظام الخليفي.. لا تنفع مع أمريكا اليوم سياسة (يس سير) لتحقيق المطالب وخصوصا في الخليج.. علينا أن نتعلم سياسة (طز سير) مع الأمريكان.. وإلا علينا أن نسبّح بحمدهم ونقدّس لهم ونقبل بما يفصلونه من سياسة ونلبس ما يخيطونه لنا من ذل ومهانة.

وهكذا أرادو تفصيل الثورة على مزاج الأمريكان, وهكذا عملوا على تغسيلنا وتكفيننا خطوة خطوة ليقيموا بعدها مقابر جماعية ويقيموا علينا مراسم الدفن في نظام مملكة دستورية خليفية.. معارضة الخمس نجوم ألبست الثورة كفن السلمية التخديرية, ثم ألبستها قميص الإصلاح, وكتّفتها بالوحدة والحوار, وهي تحاول جاهدة اليوم إتمام مراسيم الدفن وإهالة التراب على الثورة بالاستفتاء على نتائج الحوار.

بكل بساطة يتم تغسيلك وتكفينك ومن تم دفنك على الطريقة الأمريكية وعلى طريقة الخمس نجوم وأنت تضحك رافعا علامات النصر.. والفرق يبقى كما هو بين تجار السياسة والشعب حيث يبقون كما هم في القصور, ويبقى الشعب في القبور.
كل شيء في الطريقة الأمريكية.. أمريكي باستثناء المُغسِّل والمُغسَّل.. إن بين المغسل والمغسل والبائع والمبيع في البحرين كما كان مع نبي الله يوسف وإخوته وكيدهم وتآمرهم عليه حينما ألقوه في غيابة الجب وأنجاه الله, وحينما باعوه ليكون عبدا أصبح عزيزا..

سيسجد للثورة -كما سجد إخوة يوسف- كل من باعها وستخرج من جبّ الكيد والمؤامرات, ومن بيعة العبودية عزيزة منتصرة..

كل يوم يمر من عمر الثورة يكشف أقنعة النفاق والزيف.. وكل يوم يمر يؤكد أن بعض الجمعيات لا تملك سوى أن تقول لسيدها الأمريكي (يس سير), بل إن كل يوم يمر يكشف ويؤكد أن الأمريكان يفصِّلون والجمعيات والوفاق تلبس.

ودمتم بخير.


الحر الموسوي
@asmohd2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق