الخميس، 28 مارس 2013

نبيل رجب.. قيادة الشعب - بقلم ليث البحرين


القيادة (Leadership)، إحدى أهم العلوم الإدارية الحديثة، نمت وتطورت بُعَيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث ركّزت العلوم السياسية والاقتصادية على تعريفها وتبيان أصولها وفروعها لما لها من تأثير بالغ على تعبئة الجماهير وتملك المزاج الشعبي العام في ظل ظروف معينة لكل مرحلة من مراحل تاريخ البشرية.

تعرف القيادة على إنها: قدرة الفرد في التأثير بالآخرين (شخص أو جماعة) وتوجيههم وإرشادهم لنيل تعاونهم وتحفيزهم، للعمل بأعلى درجة من درجات الكفاءة والانضباط، من أجل تحقيق الأهداف المرسومة، وذلك من خلال التأثير في سلوكهم ومعتقداهم وقيمهم (Values) لتحقيق الأهداف المنشودة.

ومن خلال تعريف القيادة يمكن استنتاج أركانها كما يلي:
١. وجود شخص قائد.
٢. وجود مجموعة أشخاص تتم قيادتهم (أتباع).
٣. ممارسة مهارات التأثير بين القائد وأتباعه بقصد تحقيق الهدف وهو جوهر القيادة، إذ لا وجود للقيادة بدون القدرة على التأثير.

ومن أهم عناصر القيادة:
١- القوة الشخصية (الكاريزما): وهي تعني المشاركة في عملية صنع القرارات والقدرة على التأثير في السياسات المتعلقة بالآخرين.
٢- النفوذ أو التأثير: وهو يتعلق بمختلف الوسائل والأساليب التي تتبعها القيادة للتأثير في سياسات الآخرين.
٣- قوة السلطة (المنصب): وهي تتصل بالأدوات الرسمية التي تعمل في إطارها القيادة وفقاً لضوابط الشرعية التي تحددها الجماعة بحسب النظام السياسي القائم فيها.

وتتنوّع وسائل القيادة مع تعدّد الظروف والشخصيات المنوطة بالزعامة، وسأكتفي بثلاث طرق للقيادة لعدم التشعُّب والإسهاب في الموضوع.

١- قيادة الكرسي (قيادة المنصب): وهي القيادة النابعة من الترأس وملك زمام الأمور بعيداً عن مدى قوة الشخصية وما تتملكه من عناصر ضعف وقوة، وهذا النوع منتشر بالدول الديكتاتورية والمؤسسات الرسمية حيث يعلو بكثير من الأحيان منصب القائد من لا يستحقه، فيسبِّب الويلات لشعبه أو الخسائر المادية الضخمة لمؤسسته وينتهي به الأمر لمزابل التاريخ غير مأسوفاً عليه. وفي المقابل فإن القيادة النابعة من المنصب قد تكون رائدة إذا تم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

٢- القيادة الكاريزمية: وهي القيادة النابعة من قوة الشخص وما يتملكه من ملكات وصفات تفرض شخصيته على الآخرين بحيث يتبعونه بإخلاص وإيمان وإن كان على خطأ. ومن أمثلة القيادة الكاريزمية البارزة هو الإسكندر المقدوني صاحب إحدى أكبر الدول في التاريخ على الإطلاق، حيث تملك شعبه بكاريزمته، وكذلك فعل الدكتاتور هتلر حيث قاد شعبه للهلاك ووطنه للدمار بكاريزما معقّدة نمت وسط آلام وحسرات الشعب الألماني المكسور بعد هزيمته الحرب العالمية الأولى.

في المقابل فإن من القيادات الكاريزمية الرائعة هو المناضل الفذ مارتن لوثر كينغ الذي ألهم الأمريكان ذوي العرق الأسود ومعهم آلاف البيض في حراكه المطالب بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين البيض والسود فكان بكاريزمته عنصر السبق بين أقرانه الذين قادهم حتى بعد مقتله بسنين طوال نحو التحرّر من الاستعباد.

٣- القيادية الصامتة (القيادة عن طريق العمل): وهي أروع أنماط القيادة، حيث يتبع الناس قائدهم ليس لكاريزمته وقوة شخصيته فحسب، بل يقودهم لعظمة عمله وصنيعه وترجمته شعاراته واقعاً ملموساً لكل ما يؤمن به وينتمي إليه.

ولعل أبرز قيادات التاريخ بالقيادة عن طريق العمل (Leading by example) هو النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلم، حيث قاد أمته نحو الرقي والمعالي الأخلاقي في غضون ٢٣ سنة فقط، حوَّلهم من وحوش تدفن الأنثى وهي رضيعة ما زالت على قيد الحياة إلى قلوب عطوفة حنونة تخشع عند ذكر الله وتحنوا على اليتيم وتُطعِم الجائع وتكسوا المسكين، حول العرب من شتات يحاربون بعضهم لأتفه الأمور إلى شعب واحد متعدد الأعراق والمزايا جرّد من خلالهم الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية من هيبتهما ولاحقاً سقطا بيد من آمنوا برسالته، كل هذا ببركات صدق عمله وترجمته لأخلاقياته واقعاً قاد ويقود من خلاله أتباعه للنور والطمأنينة.

فنعم القيادة هي التي تعيش آلام شعبها وتنمي تطلعاته، نعم القيادة هي التي تضحي من أجل الأهداف المرسومة ولا تأخذها بالله لومة لائم، نعم القيادة هي التي تعطي دروسها الحقيقية في الميدان بعيداً عن الشعارات والتحزب والتقوقع الفكري، نعم القيادة هو ذاك الذي باتت كلماته وأفكاره تملك العقول والقلوب معاً.. نبيل رجب هو نعم القيادة.

لقد ألهمنا النبيل منذ أول أيام السلامة الوطنية، كيف لا وهو الوحيد الذي كان ينطقها مراراً أن علينا أن نقاوم المحتل ونخرج ونتظاهر لرفض بقائه، كيف ننسى أن أول من قال أن شعارات الثورة مهما كانت فهي شعارات مشروعة ما دامت سلمية ولا تمس بإنسانية أيٍ كان، وهو الذي فضح النظام مراراً وتكراراً وجعل من منزله ومركز حقوق الانسان الذي يترأسه مزاراً مفتوحاً لعوائل الشهداء والمعتقلين.

القيادة العملية الرسالية طبعها نبيل رجب بالأذهان حين نزل لأربع أيام متتالية نحو ميدان الشهداء محرراً له مضحياً بعائلته وكأنه يذكرنا بآية المباهلة حيث لا يضحي الانسان بأغلى ما عنده إلا إذا كان راسخ الإيمان بما يعتقده، فأصيب النبيل وأصيبت زوجته وابنته ونزل مرة تلو مرة متجهاً للميدان، فكان المحرِّر وسيبقى المحرِّر ولو بعد حين.

نبيل رجب مدرسة إنسانية عظيمة، فلم تمنعه الطائفية لحظة عن الدفاع عن السلفيين الذين كانوا محتجزين في غوانتانامو، بل وقاد لجنة الدفاع عنهم وحرَّر الكثير منهم رغم أنهم قابلوه بادئ الأمر بالورود، وحين وقف مع شعبه المطالب بالحرية سقَّطوه وشتموه وطالبوا بأقصى العقوبات ضده.

ويبقى النبيل شامخاً موقفاً يتبع آخر، فكيف ننسى هذا النبيل وهو الذي هدَّده النظام من خلال وزير خارجيته النحيف أكثر من مرة، فما كان ردُّه إلا بأعظم الجهاد (كلمة حق عند سلطانٍ جائر) وقالها علناً في وضح النهار أن الملك طاغية وعمه مجرم وولي عهده تافه ضعيف، هذه الجرأة كان يعلم النبيل أن ثمنها حرق الغطاء الأمريكي ورفع اليد عنه، فاعتقلوه وبالانفرادي تركوه مهملاً مهمّشاً، ما علموا أنه تجاوز السجن روحاً وحطّم القيود صبراً، فالقيادة لا تزدان إلا بمثلك يا نبيلنا.

وكان النبيل محور الصبر، فهو من حوَّل ألمنا ورهبتنا أيام السلامة الوطنية إلى ابتسامة سحقت جبروت آل خليفة، وجعل من الزلابيا شعاراً جميلاً ما نراه حتى نضحك فرحاً وتنطق قلوبنا بشعار النبيل (صمووووود).

صمودنا أنت يا نبيل، عزتنا أنت يا نبيل، كبريائنا أنت يا نبيل، يا أجمل من أنجبت أرض البحرين، يا من خلّدت اسمك مع عظماء التاريخ كجيفارا وغاندي ومارتن لوثر كينغ ووليام والاس، باقٍ أنت وسجّانك إلى زوال، فاصبر أبا آدم، إن موعدهم الصبح.. أليس الصبح بقريب.


ليث البحرين

إهداء لملك القلوب نبيل رجب

٢٨-٣-٢٠١٣

@Bahrani_Lion

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق