السبت، 9 فبراير 2013

خلِّك مسلم، بس تعلَّم من الكفّار - بقلم فارس البحرين





أتى خارجي إلى الإمام علي عليه السلام وقال له: "أنا لا أتابعك، ولا أبايعك، ولا أخرج معك في وقت، ولا أصلي معك جمعة ولا جماعة"، فردّ عليه الإمام عليه السلام: "وأنا لا أجبرك على شيء من ذلك، ولا أمنع عنك فيئك، وأسالمك ما سالمت المسلمين" .

الإمام علي عليه السلام معصوم واجب الطاعة، وهو يطبق شريعة الله، لكن حرية التعبير كانت مصونة في عصره، الإمام علي عليه السلام كان آخر من حكم المسلمين وأعطى الناس كل حقوقهم، وبعد استشهاده تغيّرت البوصلة، فالمسلمون ابتعدوا عن نهجه وهو "الإسلام"، وطبَّقها الكفار بعد حذف عامل أساسي وهو "الإسلام" أيضا، وأما الحقوق فهي مصونة لديهم، ليس حباً في الحقوق والبشر، بل حباً في الحياة والبقاء.

ما نعيشه الآن عاشته الأمم المتقدمة في القرنين السابع والثامن عشر، أوروبا كانت تُدار من قبل ملوك متعطِّشين للدماء ويستغلون الدين المسيحي لمصالحهم، حيث كان ملوك أوروبا ذواتاً لا تُمَس، والقوى العظمى كانت محتلة العالم بأجمعه بالسلاح، لا حرية تعبير ولا ديمقراطية ولا هم يحزنون.

في سنة ١٢٢٢ قام النبلاء بإجبار الملك الهنقاري بتوقيع معاهدة "الثور الذهبي"، حيث يعفي النبلاء والكنيسة من الضرائب والحروب، وبالفعل حباً للبقاء وقَّعها وختمها الملك، وفي سنة ١٢٦٤ قام دوق بولندا بإعطاء اليهود حقوقهم القانونية في أوروبا من حيث المحاكم وتطبيق القوانين اليهودية، وهذه كانت البداية.

ما يلي هو ملخص تاريخ الحقوق المعاصر الذي انتهى بالبنود الموجودة حالياً في المعاهدة العالمية لحقوق الإنسان التي أصدرتها الأمم المتحدة سنة ١٩٤٨:

- ١٦٨٩ أصدرت بريطانيا صحيفة الحقوق، والتي تعطي حرية التعبير في البرلمان وخارجه. 
- ١٧٨٩ تبنَّت أمريكا الصحيفة وأصدرتها، وهي نفس السنة التي بدأت فيها الثورة الفرنسية.
- ١٧٩٣ تبنَّت المعارضة الفرنسية الصحيفة
- ١٩٠١ تبنَّت أستراليا (مملكة دستورية تتبع بريطانيا).
- ١٩٣١ تحوَّلت كنذا إلى مملكة دستورية شبه مستقلة (البرلمان البريطاني كان يستطيع أن يصدر قانون ويُسَيِّرَه في جميع مستعمراتها، وهو أمر لم يحصل)، وفي ١٩٨٢ تحوّلت رسمياً إلى مملكة دستورية مستقلة.

لا تختلف عن بقية الدساتير في الدول الديمقراطية المتقدمة المحترمة، ولكن أشهرها في العالم اليوم من ناحية الحريات هو الدستور الأمريكي، ولذا فسنذكر هذه الدولة وما حصل لدستورها من تغييرات لكي تكون الدولة العظمى المتحكِّمة في العالم كما نراها الآن، فقد كانت هناك عشر تغييرات في دستورها، وهذه التغييرات العشر التي جرت كانت بسبب تبنّيها للصحيفة الحقوقية كما ذكرنا سابقاً، ودُرِجَت هذه التغييرات سنة ١٧٨٩ وطُبِّقَت سنة ١٧٩١ كما سيتبين، بالإضافة إلى أن هذه التغييرات الحقوقية جرت عليها ست تغييرات حقوقية أخرى سنذكرها أيضا مع سنة التطبيق، فمجموع التغييرات الدستورية التي جرت هي ٢٧ تغيير، ولكننا سنذكر منها ١٦ تغيير فقط نظراً لكون هذه التغييرات إدارية لا حقوقية.

- التغيير الأول: حرية الدين، حرية ممارسة الشعائر الدينية، حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية المعارضة والتجمع.

- التغيير الثاني: حرية حمل السلاح والتسلح.

- التغيير الثالث: منع وضع الجنود في المنازل بدون موافقة مالك المنزل في حالات الحروب.

- التغيير الرابع: حرمة التفتيش والاعتقال بدون مذكرة قانونية.

- التغيير الخامس: حماية المواطنين من استغلال الحكومة للقانون لمصالح خاصة.

- التغيير السادس: ضمان المحاكمة العادلة للمواطنين والمقيمين.

- التغيير السابع: ضمان المحاكمة العادلة بوجود مواطنين بعد موافقة محامي الدفاع على المحلّفين.

- التغيير الثامن: ضمان منع المخالفات ذات المبالغ الكبيرة بالإضافة إلى الأحكام الجائرة والغريبة.

- التغيير التاسع: حماية الحقوق التي لا تتواجد في الدستور (موضوع مثير للجدل حالياً، حيث يستخدمه الشواذ للزواج في بعض الولايات).

- التغيير العاشر: القوة التي لم تُعطى إلى الحكومة من خلال الدستور تكون من ضمن نفوذ الولاية أو الشعب.

- التغيير الثالث عشر: تحرير العبيد الزنوج في ١٨٦٥ ثم وقف العنصرية الرسمية سنة ١٩٦١.

- التغيير الخامس عشر: حقوق الزنوج والمواطنين "الملوّنين" البقية من غير الزنوج في الانتخاب، طُبِّقَ سنة ١٨٧٠.

- التغيير الثامن عشر: حظر بيع الخمر، طُبِّقَ سنة ١٩١٩.

- التغيير التاسع عشر: حقوق المرأة في الانتخاب، طُبِّقَ سنة ١٩٢٠.

- التغيير الواحد والعشرين: رفع حظر بيع الخمر، طُبِّقَ سنة ١٩٣٣.

- التغيير السادس والعشرين: تغيير سن الانتخاب إلى ١٨ وما فوق، طُبِّقَ سنة ١٩٧١، (علماً أن سن شرب الخمر القانوني في أمريكا هو ٢١).

المغزى من ذكر هذا التاريخ هو أن هذه الدول وعلى رأسها أمريكا تطوّرت في معنى الحقوق دستورياً وقانونياً وإعلامياً وعملياً ونحن لا زلنا مبتدئين فيها، فتارةً نخاف الانتقاد لبيان حقوقنا، وتارةً أخرى ننتقد ونطلب حقوقنا بشكل خاطئ، ولتوضيح الفكرة نذكر مثالين:

1) في الدول العظمى مثلا لا يمكنك أن تصرخ "حريق" في مكان لا يوجد به حريق ولكنه مكتظ بالناس، وذلك تجنّباً للأضرار التي قد تنجم، مع أنها حرية تعبير أنك تصرخ وتقول ما تريد.

2) هناك محادثات لوضع ضوابط وقواعد للتغيير الثاني في الدستور الأمريكي -حرية حمل السلاح والتسلح- نظراً للجرائم التي وقعت في الآونة الأخيرة بسبب إمكانية الكل في امتلاك سلاح بدون ضوابط.

في هذه الدول العظمى إذا قلت أن رئيس الدولة أو رئيس المعارضة كذّاب لأنه كذب في هذه الحادثة، وأحضرت الأدلة، لن تسمع شعارا فضفاضا كأن يقال لك: "لا تقل عنه كذاب (عيب)"، بل سترى معارضك يتحوَّل إلى مؤيدٍ، لأن حرية التعبير امتزجت بالعلم والدليل بعيداً عن العصبية، لكن في دولنا العربية، المعارضة والنظام يستغلون الدين لأسباب سياسية كما كانت تفعله الدول العظمى في قرونها الأولى، فالأنظمة والمعارضات التي تتبع المذهب السني -وتم تشديد الأمر من قبل الوهابية الذين يلصقون أنفسهم بالسنة- تستخدم ورقة ولي الأمر، والمعارضات التي تنتمي للمذهب الشيعي تستخدم الدين عن طريق استغلالها احترام وحب الناس لعلماء الدين، فتقوم بتحويل المعارضين للنظام إلى أجهزة آلية تتبع وتقدِّس العمامة، وتترك الدين المحمدي المذكور على لسان أمير المؤمنين عليه السلام في الرواية السابقة، وفي نص عهده إلى مالك الأشتر، وغيرها من الأمثلة على حرية التعبير في الإسلام، سواء في عهد الرسول صلى الله عليه وآله أو الإمام علي عليه السلام.

إن ديننا الحنيف وتعاليمه في مسألة الحقوق له القدرة على تقليص السنوات التي ستأخذه منا لنتعلم حقوقنا ونمارسها، ولكن نظرا لابتعادنا عنه لنتعلم على أقل تقدير من الكفّار ونطبِّق ما أصدروه هم في صحيفتهم الحقوقية ومعاهدة الأمم المتحدة بطريقة إسلامية عملية تحفظ حقوق الجميع.


فارس البحرين
@Knight_BH

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق