السبت، 12 يناير 2013

من انحرافات علي شريعتي (الشعائر والعلماء) - بقلم حقي كإنسان



بيّنا في الحلقة الأولى بعض الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة -عليهم السلام- في فضل التربة الحسينية، والتي تسالم علماؤنا على شرفها وقداستها بعد تحقيقهم وتمحيصهم في الروايات، وإلا فكيف يرتّبون آثارا على هذه الروايات لدرجة أن يرتّبوا أحكاما عليها كحرمة تنجيسها وإهانتها وجواز أكلها وهي تراب؟! سنذكر في نهاية هذه الحلقة كلاما قاله زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي حول هذا الموضوع للفائدة.

أما في هذه الحلقة فسنذكر انحرافا فكريا آخر عند الدكتور علي شريعتي، وهو كما السابق تقريبا في طعنه في التشيّع ومراجعه وعلمائه باعتبارات غير علمية، فيجعلهم "لا علماء" بكلامه الـ"لا علمي" والعجيب أنه لو طعن شخص آخر في مراجعنا بنفس كلامه لقالوا عنه أنه جاهل وما شابه، ولكن إن قال هو ذلك فيسكت البعض، وهذا دليل تقديسٍ له، مع أنه هو نفسه يقول للناس ألا يقدِّسوا أحدا!! ولكن يبدو أنهم فهموا عدم تقديس من يلبس العمامة فقط، لا تقديس أصحاب البدلات والمثقفين الغربيين مثله، وبهذا وقعوا في نفس ما لا يريده هو حسب زعمهم وهو التقديس!

كلامه الذي سنورده طويل في قضية الشعائر التي يمارسها الشيعة اليوم -الصفويون في نظره- ولذا فسنذكر مقاطع فقط من كلامه للاختصار وللتركيز على هذه المقاطع، ويمكن للقارئ الكريم الرجوع للكتاب نفسه للتأكد من عدم تقطيعنا لكلامه أو لتغيير معنى كلامه، وهذه هي وصلة الكتاب:

http://tinyurl.com/apjsl8k

قال علي شريعتي في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" في صفحة 208-212 من الكتاب (صفحة 224-229 من ملف الـPDF):

1- (... ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أن يشخّص أن هذه ليست سوى نسخة من تلك!) ص 208

2- (جدير ذكره أن مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الأقفال مازالت تمارس سنويا في ذكرى (استشهاد) المسيح في منطقة (Lourder) وعلى الرغم من أن هذا المراسيم دخيلة على المذهب وتعتبر مرفوضة من وجهة نظر إسلامية ولم تحظ بتأييد العلماء الحقيقيين بل إن كثيراً منهم عارضوها بصراحة لأنها لا تنسجم مع موازين الشرع، مع ذلك فإنها مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين أو ثلاثة، مما يثير الشكوك أكثر حول منشئها ومصدر الترويج لها، ويؤكد أن هذه المراسيم تجري بإرادة سياسية لا دينية، وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها، وقد بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث أن كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها ويلجأون إلى التقية في هذا المجال!!) ص 209

3- (إنني أعتقد أن ما هو معروف اليوم من العلماء المجتهدين وفقهاء الشيعة يستنكفون من ارتقاء منبر الخطابة والتبليغ ويتجنبون الدخول في أحاديث التكايا والمحافل الاجتماعية الدينية، يعود لإدراكهم لحقيقة أن هذه المظاهر هي مظاهرة صنيعة للحكم الصفوي وأن هذه المنابر كانت تستمد قوتها من الموقف السياسي لا الموقف الديني، والدليل على ذلك أن هذه المراسيم عادة ما تنطوي على أفعال وممارسات لا تنسجم مع شرع أو سنّة -ثم أتى بمثالين هما مراسيم التشبيه واستخدام الموسيقى، فنرجو مراجعة المصدر) ص 210

4- (أما النوائح التي تؤدى بشكل جماعي فهي تجسيد دقيق لمراسيم مشابهة تؤدى في الكنائس ويطلق عليها اسم (كر) كما أن الستائر ذات اللون الأسود التي توشح بها أبواب وأعمدة المساجد والتكايا والحسينيات وغالبا ما تطرز بأشعار جودي ومحتشم الكاشاني هي مرآة عاكسة بالضبط لستائر الكنيسة، مضافا إلى مراسيم التمثيل لوقائع وشخصيات كربلاء وغيرها حيث تحاكي مظاهر مماثلة تقام في الكنائس أيضا وكذلك عملية تصوير الأشخاص على رغم الكراهة ذلك في مذهبنا، حتى هالة النور التي توضع على رأس صور الأئمة وأهل البيت هي مظهر مقتبس أيضا وربما امتدت جذوره إلى طقوس موروثة عن قصص ايزد ويزدان وغيرها من المعتقدات الزرادشتية في إيران القديمة.

كل هذا المراسيم والطقوس الاجتماعية والعرفية هي صيغ مقتبسة مما هو عند النصارى في أوروبا)
ص 211.

والآن لنبين ما قاله شريعتي فيما سبق:

1- مراسيم اللطم والنوائح الجماعية ووضع السواد في المآتم وغيرها، ومراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى كلها مرفوضة من وجهة نظر إسلامية، ولا تنسجم مع موازين الشرع، ولم تحظَ بتأييد العلماء الحقيقيين.

2- هذه الممارسات مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين أو ثلاثة، مما يثير الشكوك أكثر حول منشئها ومصدر الترويج لها، ويؤكد أن هذه المراسيم تجري بإرادة سياسية لا دينية، وهذه الإرادة السياسية هي السبب في ازدهارها وانتشارها لا الدين، رغم مخالفة العلماء -الحقيقيين- لها.

3- بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث أن كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها ويلجأون إلى التقية في هذا المجال.

4- العلماء المجتهدين وفقهاء الشيعة -العلماء الحقيقيين- لا يرتقون منابر الخطابة والتبليغ ويتجنبون أحاديث التكايا -التكايا: أماكن مذهبية تشبه الحسينيات عند الشيعة ص 86- والمحافل الاجتماعية الدينية لإدراكهم أن هذه الممارسات صنيعة الحكم الصفوي -أي أنها مرفوضة كما سبق- وأنها مظاهر مصدرها سياسي لا ديني.

أقول: نريد هنا بيان نقطتين:

أ- أسلوب شريعتي في كتاباته: يتبين مما أوردناه في الحلقة الأولى والثانية، وما سنورده لاحقاً إن شاء الله تعالى أن شريعتي يسرد هذه الأحداث والوقائع والنتائج دون وضع مقدمات صحيحة من ناحية، ودون مصادر لكلامه من ناحية أخرى، فهو يضع ما في مخيلته وإن عارض الواقع على أنه مسلَّم وواضح، فهو يجزم مثلا أن التربة الحسينية كلام لا أساس له رغم وجود روايات متظافرة في هذا المجال، وأقرّها علماؤنا وتسالموا عليها!

ب- ميزان العلماء الحقيقيين: يجعل شريعتي ميزاناً غريباً لمعرفة العالم الحقيقي دون مستند علمي ولا كلام عالم حتى ممن يعد تشيعهم علوياً، فجعل كل من يرى استحباب هذه الممارسات مثلا وأنها من الشعائر أو أنها مواساة لأهل بيت العصمة عالماً غير حقيقي! مع أن الميزان الذي وضعه العلماء للفقيه هو أن يكون عادلاً عالماً بالغاً مؤمناً وغير ذلك، أما وضع ميزان بأن العالم أو الفقيه إذا أفتى بحلية كذا وحرمة كذا بعد ثبوت ما سبق عند المكلَّف فهذا سيجعله فقيهاً على الفقيه، وعالما على العالم، ومتخصصاً على المتخصص، وبالتالي سيحتكم الجاهل بعقله ويترك العالم حسب هواه، وهذا الرأي بحد ذاته خلاف للشريعة، وخلاف لقول الأئمة بالرجوع للعالم في المسائل الشرعية والأمور التخصصية.

لقد أصبح جميع علمائنا حسب كلام شريعتي صفويين، وعلماء غير حقيقيين، وأشخاصاً مثيرين للشكوك، ويقولون ما لا ينسجم مع الشرع، وبهذا هم يفتون ويقولون بما يخل بعدالتهم وتقواهم وورعهم، وكل هذا لأنهم أفتوا بما يرونه بجوازه أو حرمته بينهم وبين الله! وهذا الكلام لو قيل في مؤمن لقيل عنه أنه غير ورع بهذا الاتهام، فكيف بمن يتكلم بالجهل ويتهم مؤمنين علماء؟!

من يعرف ماذا تعلّم الفقيه ليصبح فقيها، ويقرأ لكتب العلماء وبحوثهم واستدلالاتهم يعرف كم أن الفقيه يجاهد حتى يصل للحكم للشرعي، فهو ليس بالأمر الهيّن السهل، فمن المعيب أن يُتَّهموا هكذا بعدم الورع والتقوى واتهامهم بما يليق، وسنبين تناقضا آخر لشريعتي يبين أن ميزانه في أن فلانا عالم صفوي وفلان عالم علوي غير صحيح.

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، فلا حاجة لعرض فتاوى على جواز اللطم وغيرها من الشعائر واستحبابها، فهي واضحة وضوح الشمس للقارئ المنصف، أما من يحرم من العلماء بعض هذه الأمور كالتطبير أو التشابيه مثلا فهي باعتبارات أخرى علمية ليس منها أن هذه الأفعال آتية من المسيح وما شابه، بل من يحرِّمها يحترم من لا يجوِّزها أو يقول باستحبابها... هؤلاء هم علماؤنا...

ونختم هنا بكلام للفائدة عن مقام التربة الحسينية قالها زعيم الحوزة العلمية في زمانه، وهو السيد أبو القاسم الخوئي -قدس سره- في كتابه (البيان في تفسير القرآن) في كلامه عن "السجود لغير الله"، والذي يراه شريعتي من التشيع الصفوي حسب تعريفه: (والشيعة يعتبرون في سجود الصلاة أن يكون على أجزاء الأرض الأصلية: من حجر أو مدر أو رمل أو تراب، أو على نبات الأرض غير المأكول والملبوس ويرون أن السجود على التراب أفضل من السجود على غيره، كما أن السجود على التربة الحسينية أفضل من السجود على غيرها، وفي كل ذلك اتبعوا أئمة مذهبهم الأوصياء المعصومين ومع ذلك كيف تصح نسبة الشرك إليهم وأنهم يسجدون لغير الله.

والتربة الحسينية ليست إلا جزء من أرض الله الواسعة التي جعلها لنبيه مسجداً وطهوراً ولكنها تربة ما أشرفها وأعظمها قدراً، حيث تضمنت ريحانة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وسيد شباب أهل الجنة من فدى بنفسه ونفيسه ونفوس عشيرته وأصحابه في سبيل الدين وإحياء كلمة سيد المرسلين، وقد وردت من الطريقين في فضل هذه التربة عدة روايات عن رسول الله...)

في الحلقة القادمة سنبين أن الدكتور علي شريعتي يرى بأن أصل وأساس التشيع الصفوي -والذي هو تشيع الشيعة الإثني عشرية- هو أبو سفيان، نسأل الله التوفيق لذلك.

والحمد لله رب العالمين.



حقي كإنسان

@eHAQYe
08-01-2013

هناك تعليق واحد:

  1. اصغي لي يا اخي او يا اختي لاتعتبر ماساقوله دفاعا فانا شيعية ايضا وحريصه على المذهب وانما ساعطي راريي في المقاله بنقاط ارجو منك قبولها
    1- هو عالم درس الدين ودرس الاجتماع ومن العلمين تشكلت عنده وجهات نضر تختلف عن وجهة نضر من درس الدين فقط ومن درس الاجتماع فقط
    2-هذا المقال يجب ان يعنون بطريقه مختلفه فكل ما في الامر هو اختلاف وجهة نضره عن وجهة نضرك فربما انت ترفض اشياء الشرع يجدها مقبوله وربما هو يرفض اشياء الشرع يجده مقبولة ولذا فاني اصر على ان لا نلجا الى الانتقاد اذا صادفنا شخصا يختلف عنا في ارائنا
    3- هو لم يقصد جميع علماء الدين وانما قصد الئك الذين صنعهم الشاه ووضعهم بين الناس في ذلك الوقت كاداة يحرك بها الناس بطريقته

    ردحذف