السبت، 29 ديسمبر 2012

برمجة العقول... سبب في فشل الثورات - بقلم رؤى النصر


ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو الوضع الذي أصبحنا نعيشه ونراه يوميا من إلغاء للعقول وممارسة التّبعية والتقديس بصورة مخيفة وغزو ثقافي وفكري بعيد تماماً عن كل المبادئ التي تَمُتُّ إلى الاسلام ومنهج العترة الطاهرة التي تربّينا عليها.

الوضع الذي يعيشه أغلبية الشعب حالياً هو نتاج الغزو الفكري والثقافي الذي اشتغل عليه الغرب منذ سنوات عديدة وبدأت نتائجه تظهر الآن. في الماضي ونحن صغار كنّا ننظر إلى الأفلام الأمريكية بأن معظمها خيال، ولا تمتُّ إلى الواقع بصلة، ولكن عندما كبرنا ورأينا الأحداث التي مرَّ ويمرُّ بها العالم من تدخّلٍ أمريكي اتضحت لنا الصورة أكثر وأكثر.

السياسة الأمريكية هي نفسها هوليوود صانعة الأفلام العالمية، فسياسة الحكومة الأمريكية كانت واضحة منذ البداية في جذب وتحبيب الشعوب لها عن طريق إنتاج الأفلام التي تظهرها بالصورة المثالية من أنها الدولة التي تحارب الشر وتنتصر للمظلوم، وتتدخَّل من أجل إنقاذ العالم من الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها البشرية من الغزو الفضائي أو الطبيعة، أو حتى الغزو الدولي، فكانت تثبت من خلال أفلامها أنها القوة القادرة على إلحاق الهزيمة بالأعداء، ممزوجاً بقوة من المشاعر والعواطف الرحيمة اتجاه هذه الأعداء، مما أكسب الدولة الأمريكية المزيد من الاحترام، واعتزاز المواطنين الأمريكيين بهويتهم كأمة تحارب الأشرار، واحترام شعوب العالم لها متأثرين بما تعرضه هذه الأفلام.

كان للأفلام الأمريكية الدور الأكبر في الإعداد والترويج لسياسات أمريكا وتبرير حروبها وتوجيه وتوحيد الرأي العام الأمريكي لدعمها، مما يؤكد أن السياسة الأمريكية هي نفسها التي تحرِّك وتوجِّه إنتاج الأفلام لما لها من تأثير كبير في ترسيخ الحقائق المزوّرة، وإيجاد رأي عام داعم لها.

منذ فترة وأنا اشعر بأن غالبية الشعب يعيش إحدى الأفلام الأمريكية التى شاهدتها منذ سنوات، الفلم كان يحكي عن قصة قائد استطاع أن يجنِّد جيشا بأكمله، ليس لأنه شجاع، بل لأنه استطاع أن يقوم بغسيل مخ عن طريق تفريغ كل ما في عقول الجنود، ومن ثمَّ برمجة عقولهم عن طرق نشر الأفكار والعقائد والمبادئ التي يريدها هو وتكون في مصلحته بين الجنود، فأصبحوا مثل الأداة التي يتحكم بهم حتى أصبح هو الحاكم عليهم.

عندما رأيت هذا الفلم كنت أظنه فلما خياليا، ولكن بعد كل هذه السنوات أدركت أنه واقعي، وذلك بفضل الغزو الفكري والثقافي الغربي على الشعب. أصبحنا شعبا يُأتَمَر ويُقاد، أُلغِيت العقول والأفكار، وأصبح الجميع عقلية واحدة وفكرا واحدا، وكل من يخالف هذا الفكر إما خارج عن الملة أو خائن يُدفَع له.

كيف أصبح الشعب قطيعا يُقاد بدل أن يكون كل الشعب قائدا كما تعلّمنا وفهمنا من الإسلام الذي دعا إلى تحرير العقول. بحثتُ عن كيفية السيطرة التي نصل من خلالها إلى درجة التقديس والتبعية، فكان السبب الرئيسي يعتمد على العقل، وإن السيطرة على العقل تكون باستعمال اللغة، فهي الطريقة المثلى للدخول إلى عقول الآخرين والتأثير عليهم عن طريق إدخال رسائل تصل إلى العقل، وتكون عبارة عن أفكار وتصورات وأوامر تتكون من مداخلات مهما كانت طبيعتها تفرض تأثيراتها -صغيرة أو كبيرة- على هذا العقل، فهو مجبر على التعامل معها ومعالجتها والقيام بالاستجابة لها, ومن هنا يكون التأثير على العقل، والتحكم في الكثير من استجاباته، وبالتالي تصرفاته.

استطاع الإنسان منذ القدم أن يستوعب ما تملكه اللغة، وأدرك فعاليته وجدواها عن طريق التكلّم معهم بأسلوب وطريقة مناسبة تكون في البداية على مزاجهم، فتجذبهم فتكون بداية للتحكم بمصائرهم. أشد أنواع اللغة تأثيراً في نشر الفكر والسيطرة على العقول هي الخطابة، لأنها كانت تستغل ظاهرة القطيع (أو الجمهرة) التي تعتمد على المحاكاة والتقليد الغريزي للآخرين, وكلنا لاحظنا "هتلر" وغيره كيف كانوا يفرضون أفكارهم ودوافعهم وأهدافهم على الآخرين بواسطة الخطابة، ونظراً لقلة الوعي السياسي بين الشعب استطاع البعض الدخول إلى العقول التي هي شبه فارغة من الأفكار، وينقصها الوعي الفكري والثقافي عن طريق الخطابة، وبطرح أفكار تكون قريبة من الأفكار التي كان يصبو لها هذا الشعب، فتقوم هذه القيادات بالسيطرة على جمهورها عن طريق استخدام ما تعلّمته من أفلام هوليوود باستخدام أساليب الخداع عن طريق طرح الأفكار والترويج لمصطلحات رنّانة وقوية لتجذب عقول الجماهير ويصدّقونها، ولكن هي في الأساس مجرد أقوال لا أفعال، يراد منها التحكم في الشارع والاستفراد بالقرارات المصيرية، ثم تستخدم أسلوب التكرار، فهو الدور الأهم في نشر الأفكار وخلق رغبات ودوافع أو استجابات وتصرفات لدى المتلقّين، فتكون المحاكاة والتقليد دور أساسي وكبير في انتشار الأفكار في العقول، ومن ثم يصبح الجمهور قطيعا والقائد هو الراعي الذي يسيطر على القطيع، فيأتمرون بأمره ويصدِّقون جميع وعوده حتى لو كانت خداعا أو كذبا.

هذا القطيع ألغى عقله وأصبح مبرمّجا يتلقّى من الراعي فقط، حتي لو كان الراعي يستخدم المقولة المعروفة "اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون"... فيا حسرة على أصحاب العقول...


رؤى النصر

@Ro2aAlnasr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق