السبت، 29 ديسمبر 2012

آخر قمة وتقمّم.. وسقوطهم كدوار اللؤلؤة - بقلم الحر الموسوي


تنعقد خلال هذه الأيام العصيبة التي تمر على شعب البحرين القمة 33 لدول مجلس التعاون الخليجي التي جاءت في زمان ومكان خاطئ فجأة كنكتة هابطة في عزاء عائلة فقدت للتو ابنها الشاب.

لقد عكست هذه القمة بشكل واضح الحالة التي تعيشها تلك الدول من خوف ورعب على فقدان كراسيها، وذهاب ملكهم العضوض في لمحة بصر أو في غفلة من الزمان، فهذا المجلس أُسِّس على الخوف قبل 33 عاما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبدأت من هناك خطوات التآمر على الشعوب، وقد جاء اسمه على خلاف واقعه ودوره خلال السنوات الماضية، حيث استحق بجدارة اسم (مجلس التآمر) بدل التعاون.

القمة الخليجية جاءت هذه المرة بشكل مختلف في الصورة واللون والطعم والرائحة، جاءت لتكشف عن مدى الخيبة والانكسار التي تعيشها وعمق التشردم التي لم يعش مثلها من قبل.

إن غياب العمود الكبير الذي يوضع في وسط الخيمة, وكذلك العمود الآخر التي تتكئ عليه خيمة التآمر الآيلة للسقوط، والمنصوبة بعيدا في منطقة معزولة (راس البر)، حيث حطّت طائرات الضيوف مباشرة هناك في خلوتهم، بعيدا عن آلام الناس في البحرين.

كنت أتمنى لو أنهم أقاموها في وسط الربع الخالي، هناك كان أستر لهم وأكثر راحة، فالصحراء هي البيئة المناسبة لعقليتهم المتصحِّرة التي تعكس قساوتهم وهمجيتهم، كما أن الصحراء تبتلع كل المؤامرات التي سوف يحيكونها ضد شعوبهم, ولن يسمع أحد صليل سيوفهم التي يشحذونها لشعوبهم.. كان الأولى لهم أن يقيموها في الربع الخالي ليأخذوا راحتهم في التقمّم, بدل تقمّمهم على شعب البحرين الذي يدفع ثمن تآمرهم.

لم تنتج خيمة التآمر على مدى 33 عاما الماضية سوى القتل والسجن والتهجير للشعوب الخليجية التي دفعت الثمن غاليا بدل أن تجني منه مشاريعا حضارية ترتقي بالمواطن الخليجي، بدل تأسيس درع الجزيرة لقمع الشعوب التي تطمح في الحرية والتغيير.

إن كل إنجازات هذا المجلس لا تتعدى درع الجزيرة الذي عاث فسادا في البحرين وارتكب أبشع الجرائم من القتل والهتك وهدم المساجد ونشر نقاط الهانة والتفتيش الطائفي ومفارز التعذيب في أول مهمة حقيقية يقوم بها، فيما إذا تجاوزنا المشاركة الصورية في تحرير الكويت، فأصبح بذلك عارا لكل الدول التي تنتمي إليه, أما المشروع العظيم الثاني الذي أنتجته هذه الخيمة هو مشروع برنامج (افتح يا سمسم أبوابك) للأطفال.

كانت هذه القمة فاشلة بامتياز، جاءت لتغطّي على فشلهم وخيبتهم بفشل آخر، فهذه القمم لم تنتج خيرا لشعوب المنطقة, فهذا المجلس وقممه أشبه بثور مخصي وظيفته نطح الشعوب وتكسير إرادتها, وتقممه عليها من جهة أخرى، فالنطح والتقمّم هو ما نحصده اليوم، وما يجري في البحرين هو نموذج للإنجازات العظيمة التي حقّقها هذا المجلس طوال تاريخه, فما فعله درع الجزيرة والأموال التي ضُخَّت من قبل أعضاء المجلس, كانوا سعداء حين شاهدوا نتائجها في البحرين من سقوط أكثر من مئة شهيد, وآلاف الجرحى وآلاف المغيَّبين في السجون.

لقد كان نجاحا باهرا لكم يا حكّام التآمر، فقد تحوّلت أموالكم المسروقة من شعوبكم إلى رصاص حي يخترق أجساد الشباب, وإلى طلقات الشوزن المحرم ضد البشر الذي فضح معدنكم الخبيث, وعن قيمة شعوبكم التي لا تختلف عندكم عن الطيور والحيوانات.

لقد نجحتم أيها الحكّام في قتل شعوبكم وقمعهم وسلب حريتهم, ونجحت أموال الحرام التي جمعتموها في شراء أحدث الأسلحة للقمع والقتل, وأخشى أن يتحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى أكبر جامعة لتخريج الديكتاتوريين وتفريخهم في الخليج بدرجات امتياز مع أعلى مراتب النذالة، أو تتحوّل هذه الديكتاتوريات إلى مواد تعليمية إلى أبنائنا الطلبة في الابتدائية في مادة التاريخ حول سقوط أكبر أنظمة ديكتاتورية, وعن أكثر دول متخلِّفة في العالم.

إنّ ما يميز هذه القمّة أنها تُقام على أرض البحرين التي تعيش ربيعا وثورة ضد آل خليفة، ولكنها لم تتطرّق لثورة البحرين, وكأنهم يريدون أن يبعثوا رسالة إلى العالم بأنهم بخير وأنه ليس أمامهم من تحدٍّ إلا إكمال مشروع الوحدة المهلهل ومشروع الاندماج الذي لم تتحدث عنه سوى دولة واحدة فقط وهي الجزيرة (السعودية).

كان اختيار الصخير لإقامة هذه القمة مقصودا، ليكونوا في مأمن من الغازات السّامة التي دفع هؤلاء المتقمِّمون ملايين الدنانير ثمناً لخنق شعب البحرين, وحتى لا ترى أعينهم ما يسوؤها من أدخنة الرفض لظلمهم وحكمهم الجائر التي يرفعها الثوار كل يوم، كصرخة رفض لهذا النظام الفاسد.

قد كان مطار الصخير بديلا عن مطار المحرق الذي يجنِّبهم المرور على رمز وحدتهم المحطَّمة في دوار اللؤلؤة (دوار دول مجلس التعاون) الذي تحوّل إلى مفترق طرق، وتحوّل إلى رمز تشتّتهم وحصارهم وعزلتهم, بينما تحوّل إلى مكانٍ مقدَّس للثوار ومحط أنظارهم وأنظار العالم.

سيتحوّل هذا الميدان (ميدان الشهداء) إلى مزارٍ لعشّاق الحرية في العالم، وسيذكرون أن ثوّار البحرين مرّغوا أنف النظام هنا، وأسقطوا شرعيته هنا، وارتعبت أنظمة الخليج هنا..

كما سيتذكرون أن ثوار البحرين حطّموا رمز وحدتهم، وحدة دول الخليج، حين أقدم النظام على هدم دوّار مجلس التعاون وحطّم أضلاعه الستّة التي تشكِّل أعضاء المجلس.. وخربوا بيوتهم بأيديهم.

لقد تذكّرت المشهد الدراماتيكي لهدم الدوّار, وتذكّرت أضلاعه المكسّرة التي سقطت، وتذكّرت سقوط عمود خيمتهم وخيبتهم عبد الله أسيرا للمرض وهو على فراش الموت، وستتساقط بقية أعمدة خيمة القمة واحدة بعد الأخرى.. كسقوط أعمدة الدوار الستّة.

لقد أصبح دوار مجلس التعاون الذي يمثِّل شعارا لوحدتهم ذكرى سيئة كما صرّح وزير الخارجية، والذي يبدو من حجمه الكبير أنه يشكِّل "وزارة بأكملها" وليس وزيرا، فجنّبوا ضيوفهم المرور على ذكرى سقوطهم وتحطُّم وحدتهم السيئة.

يبدو أن دوار اللؤلؤة لم يصبح ذكرى سيئة فحسب, وإنّما تحوّل إلى ذكرى مؤلمة أيضا, وعبرة قاسية, حيث استطاعت الثورة أن تحوِّل رمز وحدتهم إلى رمز ثورتهم, واستطاعت أن تطيح بهذا الرمز وتحويله إلى مفترق طرق يعبِّر بوضوح عن حالة هذه الأنظمة, فالسلطة لم تكتفِ بهدم النّصب، بل قامت بتغيير اسمه أيضا إلى تقاطع الفاروق، فيتحوّل الدوار إلى مجرد ذكرى سيئة من الماضي.. بينما حوّله الثوّار إلى ذكرى خالدة باسم (ميدان الشهداء).

لو كنت مقررا لفقرات القمة لأضفت عليها بندا أخيرا للذهاب إلى الدوار وقراءة الفاتحة على وحدتهم وعلى أنظمتهم التي سقطت هناك, وأن يتخذ كل رئيس دولة أو ممثّلها اتجاها مختلفا من اتجاهات تقاطع الفاروق الذي فرّق بينهم وبين أنظمتهم، ويذهب كل واحد إلى بلده وبلا عودة إن شاء الله، وتكون هذه ختام المسك لآخر قمة وتقمّم لرؤساء دول الخليج، وآخر مؤامراتهم على الشعوب.

الحر الموسوي

@asmohd2
26-12-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق