يمر
الزمان وتتغير الأحوال، الآلاف من القصص والحكايات ينسجها الزمان, مئات الأرواح
تُولَد، ومثلها يرحل، مجرد عابرين نحن على جسر الحياة, نختلف في طريقة عبورنا،
فهناك من يعبر وتكون خطواته خفيفة فلا تترك الأثر، ومنا من يتخلف ويتعب، فيجلس
قليلاً ليرتاح, وآخر تكون خطواته سريعة ثابتة وكأنه في سباق مع الزمن، فتترك
خطواته أثرها على جسر الحياة حتى بعد اجتيازه للجسر ورحيله, أثر لا يمحيه الزمان،
يبقى ذكرى خالدة, فكلما مرّ بالجسر عابرٌ، رأى أثر تلك الخطوات الثابتة العميقة،
فيتساءل عن صاحبها.
وأنا عابرة على جسر الحياة هبّت نسمة هواء لها من العنفوان رائحة مميزة جعلتني أستشعر كرامتي وإنسانيتي، فرفعت رأسي عالياً بكل إباء, فإذا بي واقفة على أثر خطواتِ الشهيد "جميل العلي"، خطواته كبيرة عميقة، بعمق حبه للوطن، ثابتة كثبات روحه على مبادئ العزة والكرامة...
شهيدنا جميل... بأي جمال أبدأ وصفك، بجمال روحك، أم بجمال حبك لأرضك وشعبك الذي كان منبعا لشجاعتك للدفاع عن حقوقه، جميل، بصمودك وإباء نفسك التي لم تخضع للجلادين، فكانت روح الأسد الضاري الذي لا يتوارى عن الهجوم، ويهجم كلما سنحت له الفرصة على أعدائه فيقتلهم وهو بين زنازينهم, روح شامخة لا تُكسَر، كالجبل في ثباتها، أرعبتهم، فلم يروا مثيلها فى القوة والجرأة, فحاولوا قتل هذه الروح الجسورة، فعذبوا الجسد الذي يحتويها... عذّبوه بالضرب والحرق بالمكواة، والثقب بالآلات الكهربائية... سبعة عشر يوماً حرموها من الأكل والشرب والنوم علها تهدأ وتستسلم، وهي تصرخ مهلّلة تارة ومكبّرة أخرى, حتى سلّمت الأمر لصاحب الأمر، فقبضت بيد الله...
شهيدنا جميل... جميل الاسم والروح, مات جسدك وأبت روحك أن تغادر أرض أوال، فأخذت تحلق ناثرةً من جمال إبائها وشجاعتها على الشعب الذي ضحّت لأجله، تناديه لتشييع جسدها الطاهر، فانتفض الشعب بغضب بعد أن تطيب بعبق روحك الذي انتشر في الأرجاء وهي تحلق، انتفض الشعب ليأخذ جثمانك من سجّانيه، فكانت مسيرة ضخمة، روحك ترفرف عليها، تدلها على طريق الكرامة، وتجذب كل من مروا عليه، حتى وصلت للمستشفى، فرفض السجانون تسليم الجسد الطاهر, فهجم الشعب بهجمة قاضية عليهم وقتلوا أحدهم، وشارف الآخر على لفظ أنفاسه الكريهة، وأخذ الشعب قائدهم الجميل، يطوفون به شوارع العاصمة لتخلده ذكراه، ويبقى جمال روحه وشجاعته الحيدرية رمزاً يقتدي به الأحرار على مدى زمانكِ يا أوال، فكم من قصص لأحرار ستخلدين، ومتى ستتحررين!!؟
شهيدنا جميل... انثر علينا قليلا من إباءك وشجاعتك، فها نحن ذاهبون لنطوف العاصمة أحراراً كما كنت, فما زالت المنامة محتلة, وما زالت قلعتهم هي حصن الأعداء، يعذّب به الأحرار، فيرحلون بإباءٍ إلى ربهم شهداء, وأوال تموج في بحر ظلم، تبحث عن بر أمان، ذاهبون للمنامة في جمعة نستمد منها صمودك وشجاعة نفسك، فنمضي على خطاك الثابتة, ستكون جمعة رعب يستعيد فيها شعبك روح الأمجاد من الآباء والأجداد، وسنهز حصنهم بتكبيراتنا ونقتل أنفسهم بإيماننا وتهليلنا، ستكون جمعة ننتقم فيها من كل الظلامات التي حلّت بنا، لهدم مساجدنا، لاغتصاب نسائنا، لقتل شبابنا، جمعة أخرى ينتفض فيها الشعب فينفض آل خليفة من على أرض أوال، جمعة ننتقم فيها لرحيل الشهداء... بدأ بك شهيدنا جميل، وانتهى لشهيد اليوم حسن مروراً بكل الشهداء...
شهيدنا جميل... سأجتاز خطواتك على جسر الحياة حاملة معي عبق من جمال روحك لأنثره على شعبي بجمعة الصمود... فيحيا كما كنت أنت، جميل الروح، عالي النفس، فكنت اسما على مسمى.. جميل العلي...
بحرينية الهوية
@umhussain1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق