لمن الكلمة اليوم.. لرجال الدين أم
للشباب ؟!
ينتقد البعض الحوار في الوقت الضائع
ليس لأنه ضد الحوار, وإنما ليشرعن موضوعٍ أقبح بكثير وأخطر من الحوار، وهو الاستفتاء
على نتائجه بدل الاستفتاء على أصل الحكم.
يعكس الدور السلبي والمتراجع لرجال
الدين الذين حوَّلوا خطاب الجمعة إلى رافد من روافد دعم مشاريع السلطة وبقائها في الحكم,
وإعادة خديعة استفتاء السبعينات, واستفتاء الميثاق من جديد.
يعيد رجال الدين في المشهد السياسي
في البحرين دورهم السابق كشهود زورٍ في ما يجري على شعب البحرين المظلوم، ولربما مارسوا
دورا أسوأ بكثير من دور شاهد الزور في بعض المحطات التاريخية والسياسية خلال الـ40
عاما الماضية.
إن رجال الدين الذين عاصروا الاستفتاء
في 1970 هم أنفسهم الذين شرَّعوا الاستفتاء تحت شعار (معكم معكم يا علماء) في
2001, وهم اليوم يحاولون أن يقوموا بالدور نفسه في ثورة 14 فبراير تحت شعار (لبيك يا
فقيه).
معظم جيل الشباب اليوم وحتى الكهول
في العقد الرابع لم يدركوا السبعينات من القرن الماضي، ومنهم في جيلي لم يدركوا سوى
صور المرشَّحين للمجلس الوطني على بيوتات القرى المتهالكة, وبالتالي لم يدركوا خديعة
الاستفتاء التي كان يقف خلفها المستعمر البريطاني حينذاك وبعض رجال الدين الذين دعموا
المشروع البريطاني الخليفي سرا.
وبالطبع لم ندرك برلمان 73، وربما معظم
هذا الجيل لم يكن قد وُلِد حتى في السبعينات، وحتى من ولد لم يكن يدرك شيئا، ولكن بلا
شك إن الاجيال كلها دفعت الثمن وذاقت مرارة السبعينات وما تمخَّض من استفتاء وبرلمان،
لم نرَ سوى صور المرشحين على بيوتنا, ولكننا تجرَّعنا وتقاسمنا التعذيب والسجون والمهاجر
في ظل قانون أمن الدولة الذي باركه بعض رجال الدين.
ثلاثة عقود عاشها شعب البحرين بين الخوف
وشظف العيش وحياة السجون والمنفى, لم يرحم فيها صغيرا أو شيخا كبيرا، ولم يميِّز هذا
الظلم بين أحد, ولم يشفع لجيل الشباب الذين دفعوا أثمانا باهظة لخدعة السبعينات التي
لم يشاركوا فيها, ولربما لم يولدوا حينها أيضا.
أجيال فتحت عينها على واقع مرير ومؤلم
بالنسبة لنظام آل خليفة الديكتاتوري بكل ما للكلمة من معنى، ومن جانب آخر فتح عينه
على قداسات تركع الناس خلفها وتسجد, ولكنه لا يعرف شيئا عن تاريخها وعن مواقفها التي
دفع من دمه وحياته وحريته وكرامته ثمنا باهضا جدا لها, قداسات فضفاضة صنعتها الحزبيات
المريضة التي لا تتورع في المتاجرة بدماء الشهداء وبيع آلام الناس مقابل بعض الصلاحيات
والامتيازات التي يقطرها آل خليفة بحرص شديد على الخانعين لهم والمُسَلِّمين لأمرهم.
إن من حق هذا الجيل والجيل الذي سبقه
أن يقف على حقيقة هؤلاء العلماء وحقيقة مواقفهم, والاطلاع على تاريخهم, ليعرف من كان
سبب دماره في السابق ليتمكَّن من تجاوز تجرع الماسات مرة بعد أخرى, وغصة بعد غصة.
إذا أراد جيل الثورة أن يقرِّر مصيره
فعليه أن يقتحم التاريخ ويستنطقه بحيادية تامة, فمن عاش السبعينات موجود, والثمانينات
والتسعينات ليست عنكم ببعيدة. ليست مشكلتنا الوحيدة في أننا لا نقرأ تاريخنا فحسب،
وإنما في سرعة نسياننا لآلامنا، وتكرار أخطائنا مرة بعد أخرى..
هل يصعب علينا تقييم 40 سنة الماضية
؟؟
فتحنا أعيننا على واقعٍ لم نصنعه ولم
نختره.. فتحنا أعيننا وآل خليفة يمسكون رقابنا بقبضة من حديد.. فتحنا أعيننا وخليفة
في الحكم منذ 40 عاما.. فتحنا أعيننا على رجال دين هم أيضا يمسكون برقابنا منذ 40 عاما.
أيها الشباب.. هذه ثورتكم, وهذه فرصتكم
الذهبية لتحرِّروا رقابكم من القبضة الخليفية والقبضة الدينية التي تضغط عليكم وتنكس
رؤوسكم كلما حاولتم رفعها لتشنق حريتكم وتستسخف بتطلعاتكم كلما حاولتم تحرير رقابكم
من سلطتهم.
كيف استطاع خليفة بن سلمان أن يهيمنوا
على رئاسة الوزراء 40 عاما؟؟
وكيف استطاع أن يهيمن بعض رجال الدين
على الساحة منذ 40 عاما؟؟
هكذا بكل بساطة فتحنا أعيننا على واقع
لم يتغير منذ 40 عاما.. وحتى انتفاضة التسعينات كرَّست هذه الحالة وزادت من صلاحيات
آل خليفة ومكانة بعض رجال الدين التي أصبحت أكبر حتى من جميع المقدسات.
هذا الكلام ليس عداوة شخصية لرجال الدين,
وإنما تبرؤٌ من مواقفهم خلال 40 عاما الماضية التي كانوا يمثِّلون فيها دور شاهد الزور
في أفضل موقف لهم.. أما رجال الدين الذين رفضوا أن يكونوا عونا للطاغوت ورفضوا حتى
أن يكونوا شهود زور على ما يجري كان مصيرهم إما الشهادة أو السجن أو الهجرة، وعلماء
الثورة اليوم في طوامير السجن أكبر شاهد.
40 عاما من الفشل.. تحوَّلت إلى 40
عاما من الحنكة والحكمة.. ربما كانت 40 عاما من الخنوع والمداهنة خشية السجن أو النفي
أو التصفية.
عليكم معرفة خلف من تسجدوا وتركعوا
وتصلّوا.. المسألة أكبر من مجرد ركوع وسجود وصلاة, لأن المسألة مبدأ وموقف.. وإلا لكانت
الصلاة خلف السعيدي من أفضل المستحبات في عالم السياسة.
لا نخوِّن هؤلاء العلماء.. ولا نضخمهم
بأكبر من حجمهم الطبيعي, وإنما نضعهم في حجمهم الذي يستحقونه, وليس الذي فتحنا أعيننا
عليه, فهؤلاء علماء تقليديون فضَّلوا حماية رقابهم وإنقاذ أنفسهم على إنقاذ الأمة,
وتصارعوا فيما بينهم على ما تلقي لهم السلطة من نفوذ وصلاحيات, وتناوشوا على مسجد هنا
ومآتم هناك, وكأنها معركة وجود، والانتصار فيها إنجاز عظيم ومقدّس.
لم يحدث في تاريخ البحرين أن صلّى إمامان
في جامع واحد إلا في عهدهم وببركة توجيهاتهم، ولم تُشهَر السكاكين والفؤوس لتقطيع جسدنا
في منابر الجمعة إلا تحت مظلتهم الحزبية المريضة، ولم نشهد تشرذما في تاريخنا ينافس
الـ40 عاما الماضية.
شكرا لكم .. تكفي 40 عاما من تسلّطكم
الديني على الرقاب, تكفي 40 عاما من التيه في ظل قيادتكم كتيه بني إسرائيل.. ارفعوا
وصايتكم وأعطوا الشباب الفرصة ليقرِّر مصيره ويختار طريقة عيشه.. لقد اكتفينا من حنكتكم
وحكمتكم 40 عاما.. واكتفينا من إنجازاتكم وبطولاتكم على بعضكم 40 عاما.
وأتساءل أخيرا: أيها الشعب.. لمن تريدون
كلمة الفصل اليوم لتقرير المصير.. بيد شباب الثورة أم بيد رجال الدين؟؟!!
ودمتم بخير
الحر الموسوي
@asmohd2
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق