بركان تفجر ... شعب تحرر - بقلم رؤى النصر

تعتبر البراكين من الظواهر الطبيعية التي اهتم بها الإنسان لما تلعبه من دور في العمليات الجيولوجية التي تؤثر على تاريخ تطور القشرة الأرضية وتشكلها.

هناك عاملان رئيسيان هما سبب تكوين الحمم البركانية التي تؤثر تأثيراً مباشراً على الأرض، وهي:

١- ضغط الصهارة التي تحاول دائماً الخروج من باطن الأرض.

٢- ضعف القشرة الأرضية التي سبّبه لها ضغط الصهارة، فتكون مخرجاً سهلاً لها، فيحدث الاختراق الذي يسبّب انفجاراً هائلاً تخرج منه المقذوفات البركانية الملتهبة.

كثرة الضغط يكوِّن البركان الذي تخرج منه المواد الصهيرية الحارة مع الأبخرة والغازات المصاحبة لها من عمق القشرة الأرضية، ويحدث ذلك خلال فوّهات وشقوق، فيكوِّن المواد المنصهرة التي تشكِّل أشكالا أرضية مختلفة، منها التلال المخروطية أو الجبال البركانية العالية.

لست بصدد موضوع علمي بيولوجي، وإنما هو مقدمة لمقولة "الضغط يولِّد الانفجار" وتوضيح المؤثرات التي تسبِّب الكبت والضغط المتراكم الذي يولِّد الانفجار، وهي نفسها المؤثرات التي تسبّب الانفجار في النفس البشرية.

الكبت هو قنبلة موقوتة، أو بركان ينتظر لحظة الانفجار بعد تراكمات من الضغط النفسي والقهر المتواصل، ليكون الموقف الأخير بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، وضربة الفأس الأخيرة التي أسقطت الشجرة بعد سلسلة متتالية من الضربات.

إعلان الثورة هو بداية ثورة النفس البشرية التي تعلن تمرّدها ورفضها المكبوت إلى أرض الواقع، والتي تظهر المعاناة التي تعيشها بسبب الفساد والظلم والفقر وكبت الحريات. الشعب البحراني هو من الشعوب الذي كان يحاول بين فترة وأخرى أن يثور ويتمرّد على النظام الحاكم، وكانت تنتهي كل محاولاته بتصالح مع النظام بسبب الوعود الكاذبة الذي يصدّقها هذا الشعب الطيب بطبيعته.

بعد ظهور الربيع العربي، تهيّأت الأرضية لبزوغ ثورات جديدة بسبب الفجوة التي سببتها ثورتي تونس ومصر وسقوط أنظمتهما في الوطن العربي، فكان هذا هو إحدى العوامل التي شجعت الشعب البحريني بكل مكوناته للخروج وإعلان الثورة، وكلهم ثقة بأن حركتهم هذه ستؤدي إلى تغيير نحو وضع أفضل، هذا الشعب كان دوماً كالبركان الذي يتهيّأ للانفجار في أي لحظة بسبب الكبت والتراكمات التي خلّفها النظام منذ حكمه وإلى وقتنا الحالي. ثورة ١٤ فبراير كانت كالحمم البركانية التي انبعثت منها المواد الصهيرية، والتي شكّلت أرضيات مختلفة متكونة من عدة تيارات، جمعيات ورموز وحقوقيين وشباب الائتلاف.

في بداية الثورة كنا نرى شعباً بكل مكوناته قد تحرّر من بطش النظام، وبدأ الصغير قبل الكبير يتكلم عن الحقوق والواجبات والحرية، شعب أثبت للعالم بأسره مدى وعيه وثقافته وصموده اللامتناهي، وقف أمام آليات الحرب بكل شجاعة وقوة ليقول إلى هذا النظام: "نحن لا نريدك بعد اليوم".

بعد عامين من بدء قيام الثورة ماذا حققنا؟

كلنا كان يعلم أن هذه الثورة تختلف عما سبقتها من احتجاجات أو ثورات، فقد كان الجميع يحلم نفس الحلم، وهو أن النظام سيسقط قريبا، ولكن هذا الشعب الثائر المتحرّر بدأ يلتف حول هذه التيارات ويقدسّها ويتبعها إيماناً منه بأن هذه القيادة لن تخذله أو توظِّف حركتها لصالح قضايا ومصالح فئوية على حساب القضية الكبرى والمصلحة العامة للشعب، وهذا كان السبب الرئيسي لتأخير الانتصار وعدم تحقيق أي أرباح للشعب إلى يومنا هذا.

إن اختلاف التيارات بدل أن تكون ظاهرة صحية للشعب أصبحت نقمة له، وذلك الحماس المتدفِّق كالبركان في الشباب أصبح اليوم في حالة من الفتور، وأصبح الشعب إما أن يكون تابعا للجمعيات التى ترمي إلى الإصلاحات مع إبقاء النظام، أو يكون مع الائتلاف الذي يطالب بإسقاط النظام، وفي كلا الحالتين مرّ على الشعب عامان لم يكن هناك لا إصلاحات ولا سقط النظام، بل ازداد الوضع سوءاً، وإذا استمر الوضع على هذه الحالة ستمر سنوات عدة ونحن على نفس الحال.

على الشعب أن يكون أكثر وعياً وتمسكاً بحقوقه ومطالبه، وهنا لا أطلب الخروج من تحت عباءة الجمعيات أو الائتلاف أو غيرهما من التيارات، بل أطلب من الشعب الذي تحرّر من تبعية النظام أن يتحرّر برأيه من التبعية العمياء لباقي التيارات ويتناقش معهم، ويتحرر بفكره ومعتقداته، وأن يكون شريكا بدل أن يكون تابعا، فبتحرره من التبعية ستعطي دافعاً قوياً إلى هذه التيارات لتجتمع حول الشعب، لا أن الشعب يجتمع حولها.

لتكن كلمة الشعب هي كلمة الفصل في المطالبة بالحقوق والأسقف ليتحقق النصر الذي يتمنّاه الشعب بكل مكوناته وفئاته.

رؤى النصر

@Ro2aAlnasr