ها
هي ذكرى ثورة ١٤ فبراير تعود وتتجدّد من جديد لتكمل عامها الثاني بمزيد من الجراح
والألم، فالبعض استشهد
لهم عزيز، والبعض اعتُقِل وعُذِّب، والبعض هُجِّر وغُرِّب، وآخرون فصلوا من
أعمالهم، جراحات كثيرة
كان لها الأثر الكبير في تغيِّر مجرى حياتنا.
بعد
مضي عامين على الثورة، عامين بين مد وجزر ومحاولة تشويه وتمييع وإخماد، فإنها لا
زالت باقية تنبض بالحياة
رغما عن كل المحاولات لقتلها، ولكن الاستمرار يحتاج إلى وقفة متأمِّل، فنحن على
مفترق طرق، ويجب أن
نقرر ماذا ستكون خطواتنا التالية لنصل إلى ما عزمنا عليه، وإلى الهدف الذي نراه
الأصلح نتيجة ما يتجمَّع في
قناعاتنا وما يتولَّد من أفكارنا ومبادئنا وما تفرزه الأحداث والمواقف والامتحانات
التي أصابتنا في الصميم.. لنقم
بعملية تقييم ومحاسبة لكل ما مرّت به الثورة من عواصف، عاصفة تلو عاصفة، لنعرف
أسباب تأخير الانتصار،
وننظر إلى الثغرات التي حالت دون حصول النصر بعد أن كنّا شبه قريبين منه.
ما
تمرّ به الثورة حالياً تذكّرني بقصة نبي الله نوح عليه السلام لمّا أمره الله
سبحانه وتعالى ببناء سفينة (واحدة) لمواجهة
الطوفان القادم، وكان كلما مرّ عليه الكفار وهو يصنع السفينة ضحكوا عليه، فكيف
بسفينة تمشي في الصحراء؟!
فوصفوه بالجنون، وكانوا يسخرون منه لأنه تحوَّل من نبي إلى نجّار.
أكمل
النبي نوح عليه السلام صنع السفينة وبدأ ينتظر الطوفان، وما أن فار التنّور وجاء
الطوفان فتح النبي نوح سفينته
وبدأ يدعو المؤمنين، وحمل معه من كل الحيوانات والطيور والوحوش زوجين، فمن ركب
منهم نجا ومن تخلّف
هلك ومات.
قمة
الصراع في قصة النبي نوح عليه السلام تتجلى في المساحة الزمنية، إن الباطل يسخر من
الحق، يضحك عليه
طويلاً متصوِّراً أن الدنيا ملكه، وأن الأمن نصيبه، وأن العذاب غير واقع.
لو
تأمّلنا في قصة النبي نوح عليه السلام سنرى بأنه قام بصنع سفينة واحدة وليست عدة
سفن، كانت واحدة فيها البشر
والحيوانات والطيور والوحوش، لماذا لم يصنع سفينة للبشر وأخرى للحيوانات وغيرها
للطيور والوحوش؟
والجواب هو أن الله سبحانه وتعالى أمره بسفينة واحدة ليكون هو الربّان وينجو هو
ومن عليها، أما لو
كانت أكثر من واحدة لما تمكّنوا من النجاة.
التعددية
أحياناً كثيرة ضررها أكبر من نفعها، فعندما تكون في الثورة أكثر من سفينة والشعب
ينقسم إلى عدة أقسام
في عدة سفن فإن احتمال النجاة ضعيف في مواجهة الطوفان، فالبعض سيصل والبعض الآخر
ييغرق لأنه من
غير ربّان، ولا يعرف الطريق للوصول إلى برّ الأمان.
أكثر
الأمور والمسبِّبات التي ساهمت في تأخير انتصار الثورة إلى الآن هو الانقسام، فبدل
أن يكون الشعب بأكمله
في سفينة واحدة متكوِّنة من كل الفئات وكلها تجتمع تحت مطلب واحد وهي النجاة من
الطوفان الخليفي، تعدّدت
السفن (جمعيات سياسية، ائتلاف، رموز، مستقلين) وانقسمت المطالب بين النجاة من آل
خليفة والوصول
إلى بر الأمان (إسقاط النظام) وبين الغرق والبقاء تحت إمرتهم (مملكة دستورية)، هذا
الانقسام أهلك الشعب
وأتعبه أكثر مما أتعبه النظام الدكتاتوري الظالم.
الانقسام
والتحزّبات والتبعية هي أكثر العوامل التي ساعدت على تأخير النصر، لذلك أيها الشعب
البحراني المناضل
أنتم قوة لا يستهان بها، تحرّروا من التبعية العمياء والتحزبات والانقسامات
لتشكِّلوا قوة عظمى مرة أخرى
وتعيدوا الثورة إلى ذروتها بحماس الشباب الثوري الذي أبهر العالم في صموده وقوة
إيمانه بالمطالبة بحقوقه
ورفض الظلم، قلتها سابقاً وأكررها: أطالب الشعب الذي تحرّر من تبعية النظام أن
يتحرّر برأيه من التبعية
العمياء لباقي التيارات، وبهذا سيكون شريكا بدل أن يكون تابعا، فبتحرّره من
التبعية فإنه سيعطي دافعاً قوياً
إلى هذه التيارات لتجتمع حول الشعب، لا ليجتمع الشعب حولها، ليقوم الشعب ببناء
سفينته الذي يجمع فيها جميع
التيارات، ولتكن كلمة الشعب هي كلمة الفصل في المطالبة بالحقوق والأسقف.. لتستعِدْ
الثورة ذروتها ويتحقق
النصر الذي يتمنّاه الشعب بكل مكوّناته وفئاته.
رؤى النصر
@Ro2aAlnasr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق