ربطتنا منذ سنين طويلة علاقات طيبة مع شركاء
الوطن كما يُطلَقُ عليهم، ورغم الاختلاف في العقائد استطاع هذا الشعب بطيبته تجاوز
حدود هذا الاختلاف وتعايش بكل سلام، حتى وصلت العلاقة للتزاوج بين الطائفتين.
بعد اندلاع الثورة بفترة بسيطة استخدم النظام
السلاح الأول الذي طالما استخدمه كلما أحس بخطر تكاتف الشعب, فقسم الشعب إلى نصفين:
الأول (جمهور الدوار) والآخر أُطلِق عليه (جمهور الفاتح), وتناقضت الخطابات بين القادة,
فبينما كان قائد جماهير الفاتح يحرِّض ضد جمهور الدوار وينعتهم بشتى النعوت، حتى وصل
الحال إلى اتهامهم بالخيانة واحتلال مستشفى السلمانية ومنع العلاج عنهم, كان قادة جمهور
الدوار يدعون إلى الوحدة وعدم بث الطائفية البغيضة, يردّدون شعار (إخوان سنة وشيعة
.. هذا الوطن ما نبيعه) ويُذكِّرون إخوتنا في الفاتح بسنين ماضية تعايش فيها الشعب
بألفة ومحبة ووئام، ويحذرونهم من ألاعيب النظام.
وفي مشهد أخر من أحداث تلك الفترة كان النظام
يبث الطائفية عبر وسائل إعلامه من خلال تخصيص برامج تبث الأكاذيب والفبركات محذراً
السنة من خطر الشيعة المزعوم.
وضاعت كل سنين التعايش... وانشق الوطن...
وكأن ذاكرتهم مُسِحَت! صدَّقوا ما قيل وأُذِيع,
فصفّقوا وهلّلوا فرحاً لقتلنا، وكأننا فئة من المشركين, ومع كل الشتائم والقذف والتخوين
في الدين وفي العرض، ورغم الألم استمر معظمنا في ترديد شعارات الوحدة وخلق الأعذار
لهم...
أليس غريبا كل ما حدث!!؟
لغرابة الأحداث راحت الأنفس تتساءل عن الأسباب
التي أدت تنكرهم لكل سنين المودة والمحبة التي جمعتنا ودفعتهم إلى كل الظلم المر الذي
مارسوه علينا... كنا نعيش حالة غريبة من الذهول لظلمهم ولقبولنا وتسامحنا معهم, فحلّل
البعض وقال بأنهم طالما كرهونا، وقد سنحت لهم الفرصة لإظهار هذا الكره والبغض, وراح
آخر يتهمهم بأنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق.
لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء
هذه الحالة علينا تسليط الضوء على علم يسمى (علم النفس الجماعي أو علم الجماهير):
الجُمْهور - جُمْهور:
الجُمْهور من كلِّ شيء: معظمه.
كلمة جمهور تعني في معناها العادي أنها:
(تجمع لمجموعة، لا على التعيين من الأفراد, أياً تكن هويتهم القومية أو مهنتهم أو جنسهم,
وأياً تكن المصادفة التي جمعتهم)، ولكن المصطلح يتخذ معنى آخر مختلفاً تماماً من وجهة
النظر النفسية فهو: (تكتل من البشر يقع تحت ظروف معينة، وفي هذه الظروف فقط يمكن لهذا
التكتل أن يمتلك خصائص جديدة مختلفة جداً عن كل فرد يُشكِّله، فتنطمس الشخصية الواعية
للفرد وتصبح عواطف وأفكار الوحدات المصغرة المشكلة لهذا التكتل موجّهة في نفس الاتجاه،
وعندئذٍ تتشكّل روح جماعية ويصبح خاضعاً (لقانون الوحدة العقلية للجماهير)), وسيكون
حينها عبارة عن عناصر متنافرة ولكنها متراصّة الصفوف لوقت معين كخلايا الجسد الحي التي
تُشكَّل عن طريق تجمعها وتوحّدها كائناً جديداً يتحلّى بخصائص جديدة مختلفة جداً عن
الخصائص التي تمتلكها كل خلية..
هذه الروح تجعلهم يحسون، يفكّرون، ويتحركون
بطريقة مختلفة تماماً عن التي كان سيحس بها ويفكّر ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزولاً,
ونجد أن الفرد الجبان يكون شجاعاً مع الجماهير، والبخيل يكون سخي العطاء, فالخصائص
الأساسية مُسيطَرٌ عليها من قبل اللاوعي، فأعمال الفرد في مجموعة جماهير تكون خاضعة
للنخاع الشوكي وليس للمخ والعقل, لذلك تكون موجّهة عن طريق الإثارة التي يرسمها القائد
أو المحرِّض.
استخدم قائد جماهير الفاتح التحريض على
الكره والحقد، فكانت نتيجة تحريضاته المجرمة ارتكاب جماهيره شتى أنواع الجرائم بحقنا،
جرائم مستبعد أن يرتكبوها على مستوى الفرد، والسبب كما ذكرنا بأن الفرد بين الجماهير
كالفرد المُنوَّم مغناطيسياً تحت روح الجماعة، ولنفس الأسباب تقبّلت جماهير الدوار
الطعنات تلو الطعنات، فهي مخدّرة من القادة بمخدِّرِ شعارات التآخي وشعارات الوحدة.
هُدِمَ الدوار، وتفرّقت الجماهير، وتحرّر
البعض من التنويم المغناطيسي للروح الجماهيرية، وما زال البعض واقعاً تحت تأثير اللاوعي
للقادة والهتافات، فبينما هو بين الجماهير تغيب وتختفي شخصيته الفردية الواعية لينادي
بالديمقراطية ويعود لبيته وينفك عن الجماهير، تحضر شخصيته الفردية الواعية فيهتف
"يسقط حمد".
بحرينية الهوية
@umhussain1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق