استطاعت
القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا من منطلق حماية مصالحها واستمرار علاقتها الحميمة
مع السعودية وبأسلوب الترهيب والترغيب من إقناع الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين
بأن (الحل المثالي) لما أسموه "أزمة سياسية" هو إبقاء النظام والقيام بمجرد
إصلاحات، ولا شك أن هذا المشروع المضاد لإرادة الشعب يتطلَّب خطوات لتطبيقه، فكانت
البداية بقمع الدوار، ثم التمهيد له بتأسيس ما يسمى بالمصالحة -تنفيذ توصيات بسيوني
عملياً-، ثم البدء بمرحلة ما يسمى بالحوار الوطني -مع عزل كل من يشوش على ذلك المشروع-،
ورغم أن الوفاق كما كل الساسة حول العالم تدرك حقيقة أن إصلاح النظام مستحيل من الناحية
النظرية والمنطقية إلا أنهم حاولوا التعامل مع النظام بما يسمى بالواقعية أو (فن الممكن)،
ومن الطبيعي أن تشعر الوفاق بنوع من الطمأنينة والإيجابية بعدما أمر أوباما فعلاً بتعيين
لجنة تقصي الحقائق وأعلن دعمه للوفاق في خطابه بالأمم المتحدة، ولذلك نرى الوفاق قد
تمسّكت وروّجت لكل ما يدفع للمصالحة كالسلمية وعدم معاملة النظام بأسلوب (كسر العظم)،
وصوّرت تلك الأمور وكأنها ممارسات مقدّسة وما دونها حرام، اعتقاداً منهم أنهم سيحصلون
على شيء من الغرب عندما يتقيدون بإملاءاتهم، ولكن النتيجة اليوم وبعد مرور عامين تقول
أن النظام لم ينفِّذ أي توصية من توصيات بسيوني ولم يبدِ أي نيّة للدخول بحوارات جادة،
بل تلاعب بالجمعيات السياسية وأدخلهم حوارات شكلية غير معلومة المدة والنتائج وعلى
مزاجه، وكان ذلك بغاية الوضوح والسخرية وأمام كل العالم، كما أنه فرض قوانينه على تلك
الجمعيات، وبالتالي فإن الجمعيات السياسية التي اعترفت بذلك الحل قد هُزمت هزيمة سياسية
نكراء، فلم تحقق شيئا، بينما النظام استطاع أن يمتنع عن تنفيذ كل شيء، وبما أن الجمعيات
من باب إقناع الشارع بخيارهم ادَّعَوْا الحكمة والنظرة الثاقبة، ووصفوا أساليبهم باللعب
السياسي والمناورات، وصبغوها صبغة دينية، وقزَّموا الخيارات الأخرى ووصفوها بشكل غير
مباشر بالفوضى والتهور، فيمكن القول أن هزيمتهم لم تكن عادية، بل كما نقول باللهجة
البحرانية (على البوز) و (شلون يرقعونها؟)، فمن الطبيعي أن زعيمة الجمعيات الوفاق لم
تتوقع أبداً أن تسري الأمور بهذه الطريقة السيئة، ويتمكّن النظام من فرض هيمنته، والدليل
استهزاؤهم بباقي التيارات المعارضة، و لأن من الطبيعي أن جمعيةً كالوفاق تعلم بأن الغرب
لن يقدِّم مصلحة الشعب على مصالحه، فيمكن القول أن تشبُّثهم بالخيار الغربي نابعٌ من
يقينهم التام بأنهم كجمعية وشخصيات ليسوا أهلاً لمعركة كسر العظم ضد النظام، وهذا ناتج
إما من (تكويك) الغرب للوفاق، أو خوف الوفاق من بطش النظام، أو خوفهم من تدهور علاقتهم
مع الغرب الذين يضمنون لهم استمرارية سالمة ولو كان ذلك على حساب الشعب، ومن بهذه المواصفات
فهو لا يصلح لقيادة الصراع في البحرين بسبب حرارة ذلك الصراع الذي يتطلب القوة، هذه
الهزيمة السياسية ليست مبررة حتى لو كانت الوفاق تدَّعي أنها انتصرت من الناحية الحقوقية
والإعلامية، لأن مسألتَي حقوق الإنسان والإعلام هما مسألتان هامشيتان ولا تغيران المعادلة
السياسية، ولو كان ملفَّي الحقوق والإعلام يزعجان النظام لأوْلَوْهما اهتماماً كبيراً
ولم يسترسل في نفس الممارسات السلبية طوال عامين أو على الأقل تفاوتت ممارساته.
والمشكلة
أن الوفاق عوَّلت على الغرب بنسبة مائة بالمائة، ويمكن إثبات هذه الحقيقة من خلال حراك
الجمعيات الذي لم يكن سوى عملية تذكير بالمطالب وتكرارها وانتظار التنازل من النظام
دون أدنى اعتماد على فرض الإرادة الشعبية بالقوة، يعني أصبحت الحقوق عندهم تؤخذ ولا
تعطى. ومن الطبيعي بل المؤكد أن هذه الهزيمة ستستمر وتتفاقم لتصل إلى التنازل عن المطالب
وبيع دماء الشهداء ما لم يتم تصحح الجمعيات مسارها، فالقوى الغربية لا تتغير إلا حسب
مصالحها، ولا يمكن للوفاق تحصيل نتائج أخرى غير الهزيمة السياسية، لأن من يعيد نفس
التجربة لا يمكن أن يحصل على نتيجة مختلفة.
حذَّر
الأستاذ عبد الوهاب حسين في دوار اللؤلؤة من خطورة الحوار، وعلّل ذلك لعدة أسباب، وهي
أن الزخم الثوري سيتلاشى، وسيستخدم النظام القوة الموالية والبعد الإقليمي لتمييع المطالب،
وسيتمكن النظام من فرض قوته في الحوار لأنه يملك القوة العسكرية، كما حذّر من الفترة
الزمنية الطويلة للمفاوضات التي ستعزِّز الانقسامات الشعبية، ولكن أبت جمعية الوفاق
الحزبية إلّا أن تتفرد بالقرار، ويمكن القول اليوم أن هزيمتهم بدأت تطفو على السطح،
ومن واجب الشعب اليوم التبرؤ من ذلك المشروع وكل ما يتمخَّض عنه، فليس من المعقول أن
يقدم النظام التنازلات طواعية ليضع حبل المشنقة على عنقه بنفسه، بل سيقدِّم المخطّطات.
ينبذ
الطائفية
@Ynboth
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق