"إذا وضعت أحداً فوق قدره.. فتوقّع منه أن يضعك دون قدرك"
إذا
تأمّلنا في هذه الحكمة وطبّقناها على حياتنا اليومية سنرى تشابها كبيرا على أرض الواقع،
فهي خلاصة تجارب الأجيال السابقة لما تعرّضوا له من امتحانات ومواقف يجب الاقتداء بها
ومعرفتها حتى لا نقع في الأخطاء التي أحيانًا تكلّفنا المساس بكرامتنا وحياتنا، فتُسبِّب
لنا الضيق والهم والحزن بسبب عدم معرفتنا أحيانًا كثيرة كيفية التصرف، أو يخوننا تقديرنا
لبعض البشر.
كثيرة
هي المواقف التي تمر علينا بالحياة ويترتب عليها مصير الإنسان نفسه أو عائلته أو مجتمعة،
هذه المواقف تكون نتاج التعامل مع أشخاص تترتب عليها طرق النقاش والحكم بين البشر والفهم.
عندما يكون هناك اختلاف في المواقف يجب البحث عن سبب هذا الاختلاف، وفي أغلب الأحيان
يكون بسبب اختلاف الأشخاص الذين نتعامل معهم وعدم تمكننا من معرفتهم.
هناك
نوعان من البشر: نوع يكون صريحا يُظهِر ما في باطنه، ونوع آخر يكون ماكرا يُظهِر خلاف
باطنه، كيف يمكن التميز بين النوعين؟
التمييز
بينهم هو أمر جداً صعب في البداية، وذلك بسبب عدم علمنا بباطن الأمور وما تخفي الصدور،
فنحن لا نعرف إلا الظواهر، وأحياناً لا نتمكن من معرف حقائقهم وما تخفي صدورهم إلا
بعد فوات الأوان والوقوع في المحظور. كثيراً ما تكون تقديراتنا للأشخاص خاطئة، سواء
بالسلب أو بالإيجاب، لكن مع الأيام تتضح لنا الصورة تدريجياً، فالطبع يغلب التطبّع،
وتظهر بواطن الأمور تدريجياً لتكون صورة واضحة لمعرفة الاشخاص ونوعياتها.
النوع
الأول وهم قلة في هذا الزمن بل نادرون، قليلا ما نصادف هؤلاء الأشخاص الذين يتميزون
بالصدق مع النفس وبالصراحة والوضوح في التعامل. التعامل معهم جداً مريح، وتكون بيئة
الشخص معهم بيئة صحية خالية من الضيق والهموم، تمتاز بالراحة والطمأنينة وحسن الظن
والتقدير والاحترام المتبادل، ولكن أين هم هؤلاء؟ اصبحوا كالعملة النادرة، يصعب الحصول
عليهم في هذا الزمن الذي يغلب عليه النوع الثاني.
يقول
الإمام علي عليه السلام: "ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين"
نعم،
واقع الحياة التي نعيشها يغلب عليها النوع الثاني الذي يُظهِر خلاف باطنه، فيتميز بالمراوغة
والخداع من أجل جمع جميع فئات المجتمع بأساليب متقنة للالتفاف حوله، فيعتقدون أن هذا
الشخص هو ملاك أو بطل لا مثيل له، يجب على الجميع الإنصات له والاستماع، فيعطونه منزلة
أعلى من منزلته وأرفع من قدره، فيكون لهم قائداً.
فماذا
تكون النتيجة؟ التسلط التام والتحكم في البشر ومعاملاتهم كالدمى، وكل من يخالفه أو
ينتهي الدور الذي وضعه له، ترى ذلك الشخص يظهر على حقيقته ويخرج ما في باطنه بصورة
جداً بشعة، فترى منه المعاملة السيئة التي تحط من قدر الآخرين مع أنهم هم من رفعوا
شأنه وقدّروه وجعلوه ملاكاً وحاكماً ورئيساً أو قائداً.
يجب
أن نعود إلى تجارب الأجيال السابقة لنتعظ ونعرف كيفية التصرف مع هذا النوع من البشر،
وأن لا نعطيهم أي فرصة ليتسلّقوا على ظهورنا بالخداع والمراوغة والوصول إلى مبتغاهم،
وأغلب هذه النوعية تبحث عن السلطة والتسلّط بكل أنواعه.
لا
ننخدع بالظاهر، وإنما يجب التروّي والتأكد قبل أن نحكم على الأشخاص، حتى لا نقع في
خطأ التقدير، فنعطيهم أكبر من حجمهم وقدرهم، فتكون النتيجة أن نبخس من قدرنا ونكون
كما ضحية المتسلّقين والمتسلّطين، فتنطبق علينا مقولة: "إذا وضعت أحداً فوق قدره..
فتوقّع منه أن يضعك دون قدرك".
رؤى
النصر
@Ro2aAlnasr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق