تطورت وسائل التواصل الاجتماعي وتعدّدت
أشكالها، فكان لها الأثر الكبير على ثقافات الأمم والشعوب، صغيرة كانت أو كبيرة، فبعد
أن كان الإنسانُ محصورًا في حدود مكانه الجغرافي، انطلق اليوم متواصلًا مع البعيد بما
لا يفرق كثيرًا عن تواصله مع القريب كتابة وصوتًا وصورة أيضًا!
وفي بعض برامج التواصل انتشرت مجموعات
(Groups) للحوار الحر والمباشر، ولحسن حظي دُعِيت إلى مجموعة حوارية تحتضن
أعضاءً قد تفتَّحت عقولهم وعرفوا معنى ثقافة الاختلاف، فتقبَّلَت قلوبهم أراء الآخرين
بكل ودٍّ وحب، فكانت المجموعة من أفضل المجموعات التي انضممت لها.
حرصنا على أن تكون نقاشاتنا هادفة، كانت
المواضيع والنقاشات شيقة، وذات يوم اقترح أحد الأخوة الأعضاء طرح موضوع "تعدُّد
الزوجات" للنقاش، وفعلاً طُرِحت المحاور ودار النقاش..
حقيقةً لا أعرف، هل أصفه بالحوار أو بالمعركة
بين الإخوة والأخوات، وأنا من ضمنهم! الإخوة الرجال كما تعوَّدنا منهم مناصرة هذا الحق
الشرعي وبقوة، والنساء وكما تعوَّدنا منهن أيضًا معارضة هذا الحق وبقوة، يعلمن أنه
حقُ أحلَّه الله تعالى، ولكن صدقوني أنني أكتبها على مضض وبألم..
استمرت المعركة لأكثر من 24 ساعة بين كرٍّ
وفرٍّ، وبين جنون وعقل.. انسحبت في منتصف الحوار.. لم أحتمَّل كل ذلك الكلام المؤلم..
شعرت بتوتُّر وصداع، فكأن المعركة انتقلت إلى نفسي.. هذه النفس التي أصبح فيها كمٌّ
هائل من التساؤلات..
لماذا كل هذا الرفض لفكرة التعدُّد؟ هل
أنا كما ذكر أحدهم (لست واثقة من نفسي)؟ أم كما صرح آخر بأن المرأة قد تصل إلى حدِّ
الكفر ولا تقبل بفكرة أن تشاركها امرأة أخرى في زوجها، أو قد تكون طبيعة المرأة وغريزتها..
لم أتوصل لسبب الشعور المؤلم جدًا تجاه فكرة الزواج الثاني.. لماذا أستشعر الظلم لحكم
من الله؟ أليس الله بعادل!!؟ إذن كيف للمرأة أن تشعر بكل هذا الظلم؟ وإن كانت هذه هي
طبيعتها فكيف لله أن يحلِّل ما يعارض هذه الطبيعة التي من المفترض أن يكون هو خالقها؟
وهل تصدر المتناقضات عن الله تعالى؟
قررت أن لا أفكر في الموضوع وأن أغلق جميع
تنبيهات البرنامج (برنامج التواصل) لكي لا أقرأ نقاشهم.. وفي اليوم الثاني وصلتني محاضرة،
فاستمعت لها واتضحت لي صورة كانت غائبة عن ذهني..
يتحدث الملقي عن ثلاثة مفاهيم أعطتني إجابة
للسؤال الذي كان في ذهني: "لماذا استشعر الظلم من حكم الله؟"
فكانت الإجابة: (حصار، تنظير، ثقافة)
عندما حمل الرسول (صلى الله عليه وآله)
مشروع الدعوة الإسلامية، فإنه قد أولى اهتمامًا كبيرًا لمسألة التخطيط لنشر الثقافة
الأسلامية، فهو يعلم مستوى القوم وجاهليتهم وكم يحتاجون من الوقت لكي يتمكن من إحداث
تغيير حقيقي يبقى ولا يزول في الأجيال القادمة، لذلك بدأ بالدعوة السريّة لمدة ثلاث
سنوات، ومن بعدها تم الإعلان..
لم يلتفت المشركون إلا والإسلام يخترق
بثقافته جدرانهم وحصونهم.. أدركوا بأنه خطير عظيم على سلطانهم، فما كان منهم إلا أن
فرضوا حصارًا ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا على بني هاشم ولمدة ثلاث سنوات
في شعب أبي طالب لمنع انتشار ثقافة الإسلام، ولمّا أحس المشركون بفشلهم، ابتدؤوا بدورهم
أيضًا بالتنظير في كيفية التخلص من الإسلام بضربه في ثقافته.. ولا يهم إن بقي اسمه..
نعم.. منذ ذاك الوقت والمخطّط مستمر وليس
من السقيفة فقط.. لقد فكّ المشركون الحصار عن بني هاشم ليبدؤوا بحصار أكبر كانت خطوته
الأولى هي الإسلام الصوري، والخطوة الثانية سلب الخلافة من أهل البيت بحيث لا تستقر
عندهم أبدًا، وفي الخط الموازي نشر الثقافة الأموية.. ثقافة تغزو المسلمين وتمحو ثقافتهم
الإسلامية.. واستمر الحصار على المسلمين حتى يومنا هذا جيلا بعد جيل وحكومة بعد حكومة..
ونجحت خطتهم.. والدليل أنني أستشعر الظلم من حكمٍ لله ولا أستطيع حتى التفكير في إمكانيته..
كيف نستطيع أن نغيِّر هذه الثقافة التي
غزتنا؟ كيف نرجع مسلمين كما أرادنا الرسول (ص)، لا كما يريدون هم!!؟ نحن اليوم شيعة،
ولكننا عمليًا لسنا كذلك، فتربيتنا من الغرب، واقتصادنا من الغرب، وسياسيُّونا مع الغرب..
بل وحتى رفضنا لتعدُّد الزوجات أخذناه من الغرب!
بحرينية الهوية
@umhussain1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق